مع إعلان الخارجية المصرية ليلة أمس الأثنين ترحيبها بإعادة العلاقات مع إيران إلى طبيعتها تحولت جزء من المخاوف السعودية إلى حقيقة. الإعلان الجديد يلحق بتأكيد وزير الخارجية نبيل العربي أن إيران "دولة جوار رئيسية والحكومة المصرية لا تعتبرها معادية"، معرباً عن استعداد مصر بعد الثورة لفتح صفحة جديدة في العلاقة مع حزب الله وحماس ومضيها في استعادة علاقة التعاون مع سورية.
ويبدو ان تطور العلاقات إيجابيا بين القاهرة ودمشق، الحليف الأقرب لطهران، هو مؤشر واضح على إعادة مصر رسم علاقاتها وفقاً لمصالحها القومية وبعيدا عن أي مصالح إقليمية أو دولية أخرى. فعلى طريق دمشق القاهرة توالت الإشارات الإيجابية من زيارة رئيس المخابرات اللواء محمد موافي بعد الثورة بأيام إلى سوريا.. حتى التعامل الإيجابي مع المواطنين المصريين الذين اعتقلتهما سلطات دمشق على خلفية المظاهرات التي يشهدها "القطر الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة".
إعادة رسم خيوط الدبلوماسية المصرية في المنطقة لقي تقييما إيجابيا من عدة مستويات في طهران، إذ وصف رئيس لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي علاء الدين بروجردي إقامة علاقات مع مصر بانها "فرصة مهمة" للدبلوماسية الإيرانية.
وكشف مجتبي أماني رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة عن جهودا تجرى بين القاهرة وطهران للإسراع بعودة العلاقات كاملة بينهما، مشيراً إلى "ارتياح وإيجابية كاملة في إيران من تصريحات السيد نبيل العربي بفتح صفحة جديدة في العلاقات معنا".
الترحيب الإيراني صاحبه إغراءا يلائم الأوضاع الإقتصادية الحالية في مصر، فأماني تحدث عن "آفاق واسعة للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين الذي لا يتجاوز مائة مليون دولار"، متوقعا "تضاعفه مرات بما يتناسب مع إمكانات وحجم البلدين في المنطقة".
إغراء يذكرنا بتعهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، أثناء ثورة يناير، بدفع خمسة مليارات دولار دعما لبقاء الرئيس المخلوع حسني مبارك في الحكم.
ولم يكن خافيا أن السبب الرئيسي وراء إنحياز الرياض، ولأقصى درجة، إلى سيناريو بقاء حسني مبارك في ذروة 25 يناير، يرجع في الأساس إلى تحويله الدبلوماسية المصرية إلى حجر يدور في فلك المنظومة السعودية في المنطقة، وبالتبعية نقل الخلافات السياسية مع إيران من سياقها التاريخي بين متنافسين إقليمياً إلى عدوين.
بعد ثورة يناير وما صاحبها من عودة وعي القاهرة بثوابت خريطة محيطها الحيوي، أدركت الخارجية المصرية في ثوبها الحديد ان دور الرياض المتراجع اصلا بالمنطقة بالتوازي مع تنامي دور طهران لا يرشح السعودية للإستمرار حليفا استراتيجيا للقاهرة. فايران شريك فاعل في أهم ملفات المنطقة، من العراق الى لبنان وسورية والأهم "حماس في غزة"، بينما، تبدو السعودية خالية الوفاض من أي تأثير.
مؤشرات القلق السعودي من التقارب المصري الإيراني لم تعبر عن نفسها رسمياً أو علانية، لكن كان لافتاُ تزامن "حميمية" دعوات التقارب هنا.. مع التصعيد الرسمي والإعلامي السعودي عبر مجلس التعاون الخليجي ضد إيران. لكن الصحف السعودية غطت غياب "القلق الرسمي" إذ لا تكاد صحيفة سعودية تخلو من مقال أو عمود رأي يحذر، صراحة أو ضمناً، من إنضمام القاهرة إلى الحلف الإيراني السوري.