«والله يعصمك من الناس» اّية قرآنية جليلة ذات معني ومغزي هي أول من يستقبلك عند الدخول إلي مكتب النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود عبدالمجيد، الذي تولي منصبه في الاْول من يوليو من العام 2006 بقرار من الرئيس المخلوع مبارك حمل رقم 225 لسنة 2006وذلك خلفا للمستشار ماهر عبدالواحد الذي مكث في منصبه 6 سنوات، قبل أن يتم مكافأته من قبل النظام برئاسة المحكمة الدستورية العليا إثر «تكييفه» لقضية العبّارة السلام 98 وإحالة القضية موصوفة بـ«الجنحة» بدلاً من كونها «جنايات» رغم غرق 1034 مواطناً مصرياً في عرض البحر، استخدم عبدالمجيد محمود سلطاته الواسعة والخطيرة فقام بالطعن علي حكم براءة «القاتل» ممدوح إسماعيل وشركائه فاستشعر المصريون أن «شعرة العدل» لم تنقطع في ظل وجود نظام فاسد، ليتم قبول الطعن وإعادة المحاكمة والحكم بحبس ممدوح إسماعيل 7 سنوات-في لندن- وثلاث سنوات لاثنين آخرين-هاربين في مصر-، ليثبت بذلك أنه تلميذ نجيب لأستاذه المستشار محمد عبدالعزيز الجندي وزير العدل الحالي.
دخل النائب العام في صراعات مع أباطرة الفساد في مصر وعلي رأسهم مستوردوأقوات المصريين وكان أبرز مشاهد هذه الصراعات ما قام به في 2008 عندما امر برد شحنة القمح الروسي غير الصالحة للاستخدام الآدمي –علف حيوانات- بل قام برد الاموال لخزينة الدولة، ولعل ذلك الإجراء من النائب العام أكد للرئيس المخلوع أنه أحسن اختياره في هذا المنصب إذ كان يشكل «خبز» المصريين عقبة كئودا امام مبارك وكان يخشي أن تندلع الثورة من جراء ارتفاع ثمن رغيف العيش وعدم وجوده.
لم يضبط «متلبساً» وهو يبتسم، ولو حتي من أسفل نظارته الطبية التي لا تفارقه قليل الظهور الاعلامي ونادر الحوارات الصحفية والمرة الوحيدة التي أجري فيها حوارا كان مع حمدي رزق ــ كاتب النظام البائد ــ ووصفه رزق بأنه «محامي الشعب» وهو لقب يستحقه فالرجل تطارده روائح فساد النظام الذي اتي به سواء في مكتبه بـ«دار القضاء العالي» أو أثناء وجوده في مقر النادي الاهلي وحتي أثناء خروجه من «حضرة» مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة.
قضي عبدالمجيد محمود 5 سنوات في منصبه وفي انتظار 5 سنوات أخري حتي يبلغ السن القانونية فهو من مواليد 1946 بمحافظة القاهرة وتعد هذه المدة أطول فترة يتولي فيها نائب عام –في حال بلوغه السبعين- بعد المستشار رجائي العربي الذي تولي منصبه في 1991 وقضي 9 سنوات، خلفا للمستشار بدر المنياوي الذي مكث في منصبه عاماً واحداً خلفاً للمستشار محمد عبدالعزيز الجندي الذي مكث سنتين.
لم يدر بخلده أن الثورة قادمة وأنها ستطيح برأس النظام الذي يستمد منه وجوده ولم يدر أيضاً بخلده أن تظهر أصوات تنادي بإقالته علي الاطلاق ولم يدر أيضاً أن ميدان التحرير يعرف أكثر، فهو الشارع الذي قام بثورته وهو الذي يحكم.
ومن واقع ملف خدمة النائب العام فقد قضي ما يقرب من 20عاما في نيابات أمن الدولة العليا الذراع الطولي للنظام والتي نادي بإلغائها قضاة ومستشارون كبار واستنكروا فكرة وجود نيابات متخصصة من هذ النوع لعدم التنكيل بالمواطنين فقد تخرج في كلية الحقوق عام 1967وعمل معاوناً للنيابة العامة وفي 1969 تم تعيينه رئيسا لنيابة أمن الدولة العليا في 17سبتمبر عام 1979 ويبدو أن النائب العام يعرف المردود السيئ لكلمة نيابات أمن الدولة فلم يذكرها صراحة علي صفحته الشخصية «فيس بوك»بل اكتفي بكلمة «رئيس للنيابة» وتدرج في سلك النيابة إلي أن وصل إلي منصب محامي عام لنيابات أمن الدولة العليا في 7 سبتمبر 1985 ثم رئيسا لمحاكم استئناف القاهرة في 28نوفمبر1992 وتم ندبه وكيلاً لإدارة التفتيش القضائي بالنيابة العامة في اكتوبر 1993 وتم تعيينه نائباً عاماً مساعداً لنيابة إستئناف القاهرة في الاول من اكتوبر عام 1996 وفي 1999 تم تعيينه نائب عام مساعد للتفتيش القضائي بالنيابة العامة ولم يعرف أحد أن المستشار عبدالمجيد محمود كان منتدباً لرئاسة مجلس الوزراء لسنوات طويلة قبل أن يتم اختياره نائباً عاماً في 2006وبعد ذلك التاريخ أنهي انتدابه في مجلس الوزراء ورشح المستشار عدنان الفنجري النائب العام المساعد في ذلك الوقت ليكون مستشاراً منتدباً بمجلس الوزراء بديلا عنه وعندما قامت الثورة أنهي الفنجري انتدابه، كما أنه لم يجلس علي منصة القضاء سوي ثلاثة أشهر فقط.
ولعل أبرز القضايا التي حقق فيها «قضية ثورة مصر» المتهم فيها محمود نور الدين وخالد جمال عبدالناصر نجل الزعيم الراحل و»قضية الأمن المركزي» التي راح ضحيتها اللواء احمد رشدي وفقد منصبه، وأبرز ما سيشهده التاريخ للنائب العام هو القرار الذي اتخذه يوم الاربعاء الموافق 13 أبريل من العام 2011 وهو القرار الخاص بـ«حبس» الرئيس المخلوع مبارك بتهم التحريض علي قتل المتظاهرين واستخدام نفوذه وحبس نجليه علي ذمة قضايا تربح وفساد ومعهم حسين سالم صديق مبارك وشريكه الغامض وبرغم ذلك القرار إلا أن قرار الإحالة لم يتضمن اتهام مبارك بالضلوع في تصدير الغاز لإسرائيل وموافقته علي ذلك بل إن الشارع بات يسأل كيف هرب يوسف بطرس غالي إلي امريكا وكيف هرب صهر مبارك مجدي راسخ وكيف هرب حسين سالم في ظل وجود ثورة اطاحت برأس النظام واسئلة الشارع لا تتوقف ويسأل كيف أفلتت سوزان مبارك من العقاب وذلك بعد ثبوت إستيلائها علي 24مليون دولارفحسب القانون هي جريمة اختلاس مال عام من اختصاص النيابة حتي وإن قامت سوزان برد تلك ألأموال اين حق الشعب؟ واين التحقيقات في ثبوت ملكية سوزان مبارك لمبلغ»147 مليون دولار» في حسابها في البنك الاهلي فرع مصر الجديدة؟ فمن مهام النائب العام ومن صميم اختصاصاته استدعاءها ومساءلتها؟ واين أبناء مجدي راسخ ولمَ لم يتم استدعاؤهم او التحقيق معهم فحتي عندما سئلت هايدي راسخ زوجة علاء مبارك عن ثرواتها قالت»ثروتي من بابا» ولم يسترع انتباه أحد أن أبيها متهم وهارب علي ذمة قضايا استيلاء علي الاف الأفدنة في طريق الإسكندرية الصحراوي.
لم تتوقف أسئلة الشارع المطالب بإقالته عند هذا الحد فقد كشف اقتحام مقار أمن الدولة عن آلاف الوثائق التي تم تسليمها للنائب العام ولم يأمر في التحقيق فيها بعد مناشدة المواطنين تقديمها فضلا عن عدم التحقيق في «السجون السرية» التي تم اكتشافها في مقار أجهزة أمن الدولة في دمنهور والقاهرة وهي ذات السجون التي تم «سلخ المواطنين فيها» ودفنهم في مقابر أسفل مقرات الجهاز، ولم يسمع له صوت وهو ما زاد من غضب الشارع تجاه النائب العام بالإضافة إلي عدم التحقيق في بلاغات التعذيب في فترة تولي وزير الداخلية السابق مهام منصبه فقد تم تقديم مئات البلاغات ضد عدد من ضباط المباحث وأمن الدولة ولم يتم التحقيق منعا لاصطدام النائب العام مع حبيب العادلي «سفاح الداخلية».
لم يكن الاحتجاز والتعذيب هي مثار اهتمام المطالبين بإقالته بل تم تقديم مئات البلاغات أيضا من أسر» المختفين قسري» وبعض المراكز الحقوقية ولم يتم إجلاء مصير هؤلاء المختفين وعلي رأسهم 56 حالة اختفاء قسري تم توثيقها ومنها حالة اختفاء الصحفي رضا هلال ولم يتحرك النائب العام حتي بعد الثورة فقد تم الكشف عن علاقة وثيقة بين اختفاء رضا هلال والحالة الصحية لجمال مبارك ولم يتم اتهام «وريث طرة» بشيء حتي الآن.
ورغم عشرات البلاغات من شقيق عبدالرحمن هلال ضد وزير الداخلية السابق وزبانيته إلا أن ذلك لم يسترع اهتمامه خشية الاصطدام السياسي بوزير الداخلية، ولم تكن حالة وزير الخارجية الليبي منصور الكيخيا عن مكتبه ببعيدة فقد تم تقديم عدةبلاغات ضد الداخلية تطالب بالكشف عن مصيره بعد اختفائه من مصر واتهام نظامي مبارك والقذافي باختطافه.
ولعل أخطر ما فعله النائب العام هو ما كشف عنه المستشار حسن النجار رئيس نادي قضاة الزقازيق حين قال: اعطي النائب العام اوامره للنيابة العامة بعدم تفتيش مقار مباحث أمن الدولة او أجهزة الأمن الوطني وترتب علي ذلك إطلاق يد ضباط الشرطة علي المواطنين دون حساب او محاسبة، واضاف: يجب أن تستقل النيابة العامة عن النائب العام بكافة درجاتها ويجب أن تتبعه إداريا وليس فنيا، وردا علي سؤال حول صلاحيات النائب العام قال: له سلطات واسعة وخطيرة ولا أحد يسأله ويمتلك إحالة أي شخص إلي الجنايات ويستطيع حبس رئيس الوزراء إن شاء، وهو في مأمن من العزل ويتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية ويجب أن يتم تعديل قانون السلطة القضائية.
فيما يري المستشار وليد الشافعي أحد رموز تيار الاستقلال، أن منصب النائب العام من أخطر المناصب وهو سلطة قضائية مستقلة لا تتبع وزارة العدل إلا في الأمور الإدارية فلا سلطان للنائب العام عليه سوي ضميره، وعن كيفية اختياره قال الشافعي: يجب أن يتم اختياره من بين أقدم 5 أعضاء من محكمة النقض أو استئناف القاهرة ويجب أن يتم ترشيح مستشار من هنا وآخر من هناك ويبقي اختياره رهن الانتخاب ويتم عرضه علي مجلس القضاء الأعلي ويتم التصويت علي الاثنين المرشحين، وصاحب الصوت الأعلي يتولي منصب النائب العام وهذا هو المفترض وما نطالب به في تعديل قانون السلطة القضائية بدلاً من تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، ويختتم قائلاً الرئيس السابق كان يختار لاعتبارات خاصة به