هل أصبح البديل الوحيد أمام مصر هو قصف سدود أثيوبيا وخاصة سد (بوردر) أو ما يسمي (سد الألفية) بعدما أصبحت أثيوبيا تقود حملة الإضرار بالأمن القومي المصري ولا تعبأ باتفاقيات المياه القديمة وتخرقها رسميًا وتتجاهلها خصوصًا مسألة التشاور مع مصر قبل بناء أي سد لعدم حجبه المياه عن المصريين وتعطيشهم ؟
هل تلجأ مصر لاستخدام (حق الفيتو) الوارد في اتفاقية مياه عام 1929 (التي لم تعد ست من دول حوض أعالي النيل تعترف بها) علي طريقتها الخاصة ، وتقصف أي سد أثيوبي أو كيني أو أوغندي تعتزم أي دولة بناءه أو بنته بالفعل دون أي تشاور مع مصر ؟
برغم الرفض المصري والسوداني (دولتا المصب) للاتفاقية الإطارية التي وقعتها ستة من دول أعالي النيل التي ترفض الاعتراف بالاتفاقيات القديمة التي تعطي لمصر والسودان حصة ثابتة من مياه النيل وتسمح لهما بالفيتو (الاعتراض) علي أي سد يجري بناؤه بما يؤثر علي حصة البلدين من مياة النيل ، فقد خطت أثيوبيا خطوات عدائية عديدة ضد مصر بتدشين "سد الألفية" ورفض إمداد مصر بخرائط هذا المشروع لدراستها .
ووفقًا لدراسات الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء ثبت أن بناء "سد الألفية" الجديد"بوردر" الذي تعتزم أثيوبيا بناءه على النيل الأزرق قرب الحدود السودانية سوف يتسبب سنويًا فى فقد مصر 17 مليار متر مكعب من المياه لمرة واحدة وليس سنويًا ، بالإضافة إلى مليار متر مكعب من المياة بالبخر نتيجة لتكون البحيرة أمام هذا السد.
ووفقًا للدكتور محمد البسطويسى الباحث الجيولوجى بالهيئة ، فقد كشفت الدراسات التى أجرتها الهيئة برئاسة الدكتور أيمن الدسوقى رئيس الهيئة معتمدة علي تحليل صور الأقمار الصناعية أن مصر ستفقد هذه الكمية علي مدار فترة إنشاء السد ، فلو بُني في ثلاث سنوات ستفقد مصر من حصتها حوالي 5ر5 مليار متر مكعب فى كل عام .
وهو ما يعني أن بناء هذا السد – سد واحد فقط - لن يؤثر كثيرًا على حصة مصر من مياه النيل بدرجة كبيرة لأن بحيرة ناصر بها مخزون يزيد على 150 مليار متر مكعب من المياه بالإضافة الى الإيراد السنوي من مياه نهر النيل ، وأنه بمجرد امتلاء البحيرة أمام سد الألفية والمحتمل أن تبلغ مساحتها 745 كيلومترا مربعا سوف يستمر سريان المياه إلي مجرى النهر كما كان قبل إنشاء السد ، ما يعني أن مصر ستتأثر لفترة .
الخطر قائم
ومع هذا يقول خبراء آخرون أن المشكلة ليست في بناء هذا السد فقط ولكن في فوضي بناء السدود وسحب المياه من قبل دول حوض النيل ورفضها التعاون مع مصر لتوفير كميات أكبر من المياه تفي بحاجات الجميع واتباع مواقف انفرادية تضر الأمن المائي المصري .
فسد الألفية العظيم - وفقًا لمصدر مسئول بملف المفاوضات مع دول حوض النيل - سيؤثر بالسلب والضرر المباشر وغير المباشر علي شتي نواحي الحياه والتنمية في مصر، بالإضافة إلي التحكم الاستراتيجي الكامل في تدفق مياه نهر النيل التي تصل لمصر من اثيوبيا ويزيد من احتمالات استخدامها كسلاح فعال ضد مصر وشعبها وتقليل دور السد العالي في إنتاج الكهرباء والتخزين القرني للمياه.
وهناك من يري من الخبراء أن أثيوبيا استغلت الثورة المصرية لضرب مصر وانهاء العمل – بالقوة الجبرية والأمر الواقع – باتفاقيات مياه النيل القديمة (اتفاقيتي 1929 و1956) ، ولهذا دعت مصادر مسئولة عن ملف المياه بالخارجية والري والأجهزة السيادية للإسراع باتخاذ مواقف حازمة وإبلاغها للدول المانحة ومؤسسات المجتمع الدولي .
وطالبوا بانشاء وحدة متخصصة تابعة للمجلس العسكري للإشراف الكامل والمباشر علي سير المفاوضات والجهود المبذولة والتعاون بين مصر ودول حوض النيل علي أن تضم الجهاز الفني الحالي بوزارة الري والخارجية والمؤسسات السيادية الأخري وإيفاد وفود رسمية رفيعة المستوي إلي كل من الصين الممول الرئيس للسدود في أثيوبيا والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية وإلي دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وذلك لإيضاح الأضرار البالغة التي ستلحق بمصر وشعبها في حالة استمرار توفير الدعم لإقامة منشآت علي نهر النيل .
أثيوبيا تناور
ولأن أثيوبيا تدرك أن هناك مشاكل كبيرة تتعلق بتمويل هذا المشروع وعقبات تمويلية ضخمة ورفض مصري وسوداني قد لا يشجع دول العالم علي تمويل المشروع ، فقد بدأت تناور وتنشر حملة إعلامية تزعم أن السد مفيد لمصر والسودان وتطرح بيع جزء منه للبلدين !.
إذ قال رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي- خلال مراسم وضع حجر الأساس للمشروع- إن تمويل المشروع الذي قد يبلغ 80 مليار بر إثيوبي( حوالي4.8 مليار دولار أمريكي) يحتاج لمعونة دولية كبيرة ، وزعم أنه سيفيد أيضًا السودان ومصر من خلال منع الفيضانات واستخدام المياه في الري .
ثم دعا زيناوي مصر والسودان للمشاركة في ملكية المشروع بسبب نفقاته الضخمة .
كما زعم وزير الموارد المائية الأثيوبي أن "مصر والسودان سوف تستفيدان في نفس الوقت من مزايا من هذا المشروع في صورة تراجع تراكم الطمي وراء سدود الري بالبلدين وتراجع في معدل تكرار الفيضانات وبالتالي انخفاض الفاقد في موارد المياه"
وأشار إلى أن هذا المشروع غير مسبوق في أفضليته الكلية من حيث حجم السد وحجم المياه المحتجزه خلفه وقدرته على توليد الطاقة وكذلك أثره على ضمان استمرار تدفق المياه دون انقطاع.
واستطرد الوزير "أنه يمكن القول حقيقة أنه لا يوجد مشروع آخر يتسم بهذه المزايا مثل هذا السد من حيث تحقيق مزايا جديدة ومشتركة لكل الدول الثلاث المعنية (اثيوبيا والسودان ومصر).
وقد رد عليه الدكتور حسين العطفي وزير الموارد المائية والري معتبرا أن تلك الخطوة تعتبر انتهاكا لحقوق بلدي المصب السودان ومصر ، وقال أن هناك نية إثيوبية للسير علي هذا النهج في المستقبل – اي الانفراد بالقرار وتجاهل مصر والاتفاقيات القديمة – مؤكدًا أن عدم اتخاذ إجراءات حاسمة من الآن سوف يوفر مناخًا ملائمًا لاستمرار سياستها المنفردة خاصة أن السد الذي يتم بناؤه حاليًا هو واحد من سلسلة من السدود إذا ما تم بناؤها وتشغيلها بالأسلوب المنفرد نفسه فسوف يؤثر سلبيا علي مصر والسودان ، وهو أمر لن يقتصر علي إثيوبيا حيث ستقوم دول الحوض الأخري بالسير علي النهج نفسه .
محاولة دبلوماسية أخيرة
وقد سعت أطراف مصرية مع هذا لتدشين مبادرة سلمية ربما تكون هي الأخيرة للتفاهم مع دول حوض النيل ، وشهدت أولى جلسات الحوار الوطنى الخاص بتحديد آليات التعاون بين مصر ودول حوض النيل وإدارة الملف المائى، خلافات حول جدوى استئناف التفاوض مع دول الحوض، فيما اتفق المشاركون على ضرورة وضع إجراءات تنفيذية على الأرض للحفاظ على الأمن المائى المصرى بدلاً من إطلاق وعود دون تنفيذ، مؤكدين ضرورة التوصل إلى رؤية للتعاون المستقبلى مع دول أعالى النهر، واستبعاد اللجوء للخيارات العسكرية، حرصًا على العلاقات بين مصر ودول حوض النيل.
في هذه الجلسة اعترف الدكتور مغاورى شحاتة دياب، الخبير الدولى فى المياه، أن الاعتماد على النواحى القانونية لن يؤتي ثماره خلال المرحلة الحالية، مشيرًا إلى أنه يمكن الاستفادة من الطرق القانونية على المدى الطويل من خلال المستندات والوثائق فى حال اللجوء إلى المجتمع الدولى للحصول على حقوقنا التاريخية من نهر النيل مشيرًا إلى أن مصر فى «موقف صعب» وخيار التوقيع أو عدم التوقيع كلاهما مر.
وأوضح شحاتة أن التوقيع يعنى تخلى مصر عن حقوقها التاريخية فى موارد نهر النيل، بينما يعرضنا عدم التوقيع لخسائر، وقد يؤدى إلى الدخول فى صراعات مع دول الحوض وتعليق عضوية مصر فى مبادرة حوض النيل .
وحول الآثار السلبية للسدود الإثيوبية، أكد أن أقصى ما يمكن أن تقوم هذه السدود باحتجازه لا يتجاوز ٦ مليارات متر مكعب من المياه، وتتركز هذه الآثار فى تأخير موعد وصول مياه النهر إلى مصر، بينما تقتصر التأثيرات السلبية على النواحى البيئية التى تهدد بيئة النهر .
وطالب شحاتة بالتركيز على أهمية جنوب السودان بالنسبة لمصر، لتنفيذ مشروعات مائية مشتركة لاستقطاب فواقد النهر فى حوض بحر الغزال وقناة جونجلى لتوفير ١٤ مليار متر مكعب من المياه يتم استغلالها لصالح مصر وجنوب السودان.
كما سافر وفد شعبي مصري إلي أوغندا في محاولة لطمأنة هذه الدول وإبلاغها أن السدود سوف تضر الشعب المصري ، ومحاولة بناء جسور جديدة مع هذه الدول .
وقد توقع مصدر مصرى مسئول بملف حوض النيل، خوض مصر مرحلة جديدة من التفاوض مع دول منابع النيل بعد ثورة 25 يناير، على أسس ومفاهيم جديدة تعترف بمصالح دول الحوض دون تعالٍ، لتحقيق المصالح المشتركة للطرفين ، وشدد المصدر على ضرورة التفاوض مع إثيوبيا لإيجاد حلول فنية حتى لا تتأثر حصة مصر من المياه فى حالة بدء تشغيل السد وملء خزاناته بالمياه، التى قدرتها إثيوبيا بـ15 مليار متر مكعب.
والمشكلة أن دول حوض النيل تتحرك الآن بمنطق استغلال الثورة وانشغال مصر فيها في فرض أمر واقع دون أن تعي أن هذا من الممكن أن يضر بمصر ويؤجج حرب المياه في المنطقة ويدفع مصر بدورها للبحث عن مصالحها ولو كانت قصف سدود أثيوبيا كما سبق أن هدد الرئيس الراحل أنور السادات .