شهد نائب المدير
تاريخ التسجيل : 18/09/2010 المشاركات : 5742 التقييم : 52 النقاط : 14462 المهنة : مزاجى :
| موضوع: المماليك ..ملوك اعزو الأمة بالاسلام الأربعاء 24 أغسطس 2011 - 18:08 | |
| تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :وجاءت نكبة سنة 1948م بعد أن وقعت الأمة بأكملها في قبضة الاستعمار الغربي، وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه كان فشل تحرير فلسطين مؤكداً، خصوصاً بعد أن عزلت القضية الفلسطينية عن بيئتها الإسلامية، وحصرت في زاوية عنصرية القومية العربية الضيقة. ثم جاءت نكسة 1967م في ظل انتكاسة إسلامية عربية شاملة كافة جوانب الحياة، وتفتقر إلى هامة إسلامية عالية ترفع الهمة وتجمع شتات الأمة على أسس الإسلام ومنهجه. والاستثناء الوحيد كان في حرب سنة 1973م عندما "انتصرت" الجيوش المصرية على الإسرائيلية، ولكنه استثناء ناقص ونصر محدود، لم يكن الغرض منه تحرير فلسطين وطرد الاحتلال.. بل كان قائماً على مبدأ "أنا رب إبلي"؛ وهذا مبدأ ناتج عن مأساة التفكك في الأمة الإسلامية. وما يدل على أن الحرب لم تكن في سبيل نصرة الإسلام والأمة الإسلامية هو الكاسب الكبيرة التي حققتها إسرائيل بعد الحرب، وذلك من خلال التطبيع معها واتفاقيات ما يسمى بـ"السلام"، بينما كان الخاسر الأكبر هم المسلمون؛ وبالتالي لم يكن هناك نصر حقيقي للعرب والمسلمين في حرب 1973م، بل هو أقرب إلى الوهم، رغم أن هذه الحرب كانت قد أسقطت أسطورة الجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر"، ولكن الجميع على أعينهم غشاوة، وفي أذانهم وقر. ثم تكررت المآسي باحتلال العراق وأفغانستان.. ولا زالت ضربات الأعداء تتوالى على الأمة يوماً بعد يوم. أما النصر الحقيقي فكان على يد المقاومة الفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.. لقد حققت معركة (الفرقان) للمسلمين ما لم تحققه كل الحروب التي خاضها العرب ضد إسرائيل من قبل، رغم الفارق الكبير بين القوتين. وأكبر مكسب تحقق هو الإثبات أمام العالم أن الإسلام هو القوة الأولى والأساسية عند المسلمين، وهو السلاح الأمضى والعامل الأول في انتصار المقاومة، وأن القوة المادية لا تساوي شيئاً أمام قوة الإسلام. وفي التاريخ الإسلامي كل الحقائق التي تثبت ذلك، كالذي حصل في معركة (عين جالوت) التي دحرت فيها الجيوش الإسلامية - رغم قلتها - أكبر وأخطر جيش اجتاح العالم الإسلامي..وقد وتحقق ذلك عندما توفرت عوامل النصر الشرعية قبل المادية، وهذا ما سيوضحه التقرير التالي. الأمة بين عدوين يقول الدكتور علاء قداوي واجهت الأمة العربية الإسلامية في أواخر القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) (491 هـ - 1096م) أشرس غزو استعماري استهدف احتلال أراضيها وتدمير كيانها وحضارتها. ذلك هو الغزو الذي أطلق عليه مؤرخو الغرب اسم الحروب الصليبية أو الحملات الصليبية التي امتدت إلى ما يقرب من قرنين من الزمن. وتمكنت أولى الحملات من أن تقيم لها في المشرق العربي عدة إمارات صليبية كالرها وأنطاكيا وبيت المقدس وطرابلس. وقد تنبه المسلمون لمخاطر هذه الحركة فوحدوا جهودهم على عهد صلاح الدين الأيوبي الذي أنزل بهم هزيمة قاسية في معركة حطين سنة 583 هـ - 1187م، واسترد منهم معظم المناطق التي كانوا قد استولوا عليها بما فيها بيت المقدس، ولم يبق لهم إلا أنطاكيا وطرابلس وبعض الحصون على الساحل الشامي. وفي أوائل القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) ترافق مع استمرار الخطر الصليبي خطر المغول. والمغول أقوام بدوية اندفعوا من موطنهم الأصلي منغوليا - الواقعة في أواسط آسيا - بزعامة جنكيز خان وخلفائه ليغزو بلاد المسلمين ويقضوا على الدولة الخوارزمية، وليوطنوا بعدها سلطانهم في إيران تمهيداً للقضاء على الخلافة العباسية. وفي الوقت نفسه، حاول الصليبيون الذين كانت قد فشلت حملتهم السادسة على بلاد الشام في استرداد المسلمين بيت المقدس ثانية منهم سنة 642 هـ - 1244م، حاولوا أن يتصلوا بالمغول أعداء المسلمين عن طريق توجيه الدعوات لخاناتهم لإقناعهم باعتناق المسيحية، ومن ثم التحالف معهم لشن حملة صليبية مغولية لتطويق المشرق العربي الإسلامي وتحطيمه ومن ثم اقتسامه، مثلما حاولت من قبل الإمبراطورية البيزنطية أن تعقد حلفاً بينها وبين الصين لغرض تقويض الدولة الإسلامية التي كانت في بداية نشأتها. وقد استندت آمال الصليبيين في إمكان تحقيق هذا التحالف على ما وصل إليهم من أخبار عن اعتناق قبيلة الكرايت المغولية الديانة المسيحية، وعلى ما كان قد أظهره بعض خانات المغول وأمرائهم من تعاطف مع المسيحية، فكيوك خان (644 - 646 هـ / 1246 - 1248م) كانت والدته تدين بالمسيحية، وتولى تربيته الأمير قداق المسيحي. ولما تولى عرش المغول، قرب إليه جينقاق المسيحي وأسند إليه منصب الوزارة. وقد ترك كيوك أمر الحل والعقد في الدولة لهذين الأميرين اللذين اضطهدا المسلمين وأحسنا للمسيحيين. وارتفع كذلك شأن النصارى في عهد منكو خان (646 - 655 هـ / 1248 - 1257م) الذي كانت والدته سيورقوقيتي، ومربي ولده باتو وكبير وزرائه بلغاي مسيحيين. وإزاء موقف خانات المغول هذه من المسيحية، أرسل البابا إينوسنت الرابع بعثة إلى منغوليا برئاسة الراهب يوحنا بيان دل كاربيني الذي حمل رسالة من البابا بعنوان "إلى إمبراطور التتار وشعبه"، كتبت بأسلوب مليء بالصداقة وبدعوة إلى اعتناق المسيحية. وقد وصل كاربيني قراقورم عاصمة المغول سنة 644 هـ - 1246م، حيث حظي بحسن استقبال كيوك خان له. غير أن كاربيني فشل في الحصول على موافقة كيوك لتحقيق أهدافه؛ بسبب اشتراط الخان اعتراف البابا وملوك أوربا بسيادته العليا والتبعية له. وحذر كيوك كاربيني من أن البابا يتحمل جميع النتائج المترتبة في حال رفضه الاستجابة لمطالبه. عاد كاربيني إلى المقر البابوي في روما فاشلاً سنة 645 هـ - 1247م؛ إذ قدم للبابا تقريراً مفصلاً أشار فيه إلى أن المغول لم يخرجوا إلا للغزو. ومع ذلك لم تخب آمال البابا إينوسنت الرابع الذي أرسل بعثة ثانية برئاسة الراهب اسكلين الذي التقى في تبريز القائد المغولي بايجو في أواخر سنة 645 هـ - 1247م، إذ أبدى بايجو الاستعداد لعقد تحالف لمناهضة الخلافة العباسية في بغداد والأيوبيين في بلاد الشام. وخطته تهدف إلى مهاجمة بغداد، على أن يتكفل الغرب المسيحي بالقيام بحملة صليبية تصرف مسلمي الشام عنه. ولتحقيق هذا الهدف، أوفد بايجو رسولين هما إيبك وسركيس النسطوري ليرفقا اسكلين في عودته إلى روما. ومع أنه لم يكن لهذين الرسولين سلطان السفراء المفوضين، فإن آمال الغرب انتعشت من جديد، إذ أقاما في روما نحو سنة، ثم أرسل بايجو إبان سنة 646 هـ - 1248م مَنِ استدعاهما، فحملهما البابا رسالة أعرب فيها عن أسفه لما جرى من تعطيل التحالف المغولي المسيحي. لقد أثارت هاتان البعثتان اللتان بعثهما البابا إينوسنت الرابع قلق العرب المسلمين في بلاد الشام ومصر؛ لذلك حاول بعض أمراء الأيوبيين ثَنْيَ البابا عن محاولته التحالف مع المغول ضدهم، فأرسلوا إليه عدة رسائل، منها رسالة أمير حمص المؤرخة في سنة 644 هـ - 1246م يطلب فيها باسمه ونيابة عن سلطان الأيوبيين الملك الصالح أيوب عدم وضع ثقته في المغول، ويذكره بأن هؤلاء أشد المعادين للمسيح وأكثر الناس همجية وتخريباً. ولعل أمير حمص استند في رسالته هذه إلى ما كانت جيوش المغول قد اقترفته على عهد أوكتاي خان من مذابح وخراب وتدمير لمناطق شاسعة من أوربا سنة 639 هـ - 1241م حيث وصلت غزواتهم إلى بولندا.لم يفقد الغرب المسيحيُّ الأمل في إمكان كسب المغول إلى جانبهم، وهكذا أبقوا باب التفاوض مفتوحاً معهم، ولم يأخذوا بتحذيرات أمراء الأيوبيين لهم، إذ أرسل إيلجداي نائب الخان في القوقاز وفارس في أواخر سنة 646 هـ - 1248م رسالة إلى لويس التاسع ملك فرنسا الذي كان موجوداً في قبرص على رأس الحملة الصليبية السابعة لغزو مصر، أعرب له فيها عما يكنه المغول من عطف وميل للمسيحية؛ فأفرحت هذه الرسالة لويس التاسع الذي بادر بإرسال سفارة من الرهبان الدومنيكان برئاسة أندريا وأخيه ومعهما هدية هي عبارة عن نموذج لكنيسة صغيرة. وعندما وصلت البعثة إلى قراقورم عاصمة المغول، تبين لها أن كيوك قد توفي، فاضطرت البعثة إلى العودة بسبب تأخر انتخاب خان جديد. ومع فشل هذه البعثة في تحقيق أهدافها، أرسل لويس بعثة ثانية في أوائل السنة 651 هـ - 1253م برئاسة الراهب وليم روبروق إلى الخان الجديد (منكو) يطلب فيها مساعدته لضرب المسلمين في بلاد الشام ومصر. لكن سفارة روبروق لم تظفر بنجاح كبير، إذ اجتاز في سفره نهر الفولكَا والتقى بالأمير سرتاق باتو الذي اشتهر بميله للمسيحيين، فبعثه هذا الأخير إلى منغوليا وتولى الإنفاق عليه في سفره على امتداد الطريق التجاري الكبير وتهيأت له أسباب الراحة والأمن على الرغم من أن أياماً بكاملها كانت تنقضي دون أن يشهد في طريقه داراً واحدة، ثم وصل إلى قراقروم، فمثل بين يدي منكوخان في أوائل السنة 652 هـ - 1254م، وأعلمه فيها منكو بعزمه على مهاجمة المسلمين في غرب آسيا، وبأنه على استعداد لمناقشة ما يصح اتخاذه من إجراء مشترك، على أنه اعترض ذلك عقبة لم يتيسر التغلب عليها، وملخصها أن يعلن لويس تبعيته لمنكو لقاء مساعدته. وهذا ما لم يقبله ملك فرنسا؛ ولهذا غادر وليم روبروق قراقورم في سنة 652 هـ - 1254م دون أن يحقق ما كان يحلم به لويس من أن المغول سوف يصبحون أبناءً أوفياء لكنيسة روما ويحققون للصليبيين ما كانوا يحلمون به في المشرق العربي الإسلامي، ولاسيما في بلاد الشام وبيت المقدس. هذه بعض مظاهر التحالف بين أعداء الأمة في ذلك الوقت.. وهذه التحالفات ضد الأمة الإسلامية لم تتوقف إلى اليوم، مع اختلاف في طبيعة التحالف وأطرافه، وظروف زمانه ومكانه. قطز وخطوات الإصلاح والتغيير الوضع السياسي الداخلي كان الوضع في مصر عندما بدأ التتار في اجتياح الشام والاقتراب من الديار المصرية متأزماً جداً؛ فالوضع السياسي الداخلي كان يموج بالاضطرابات العاصفة، والأزمات الشديدة.. وكانت الفتن الناتجة عن التصارع على كرسي الحكم – وخاصة في السنوات العشر الأخيرة - عنيفة ومتكررة. ورغم أن الأوضاع استقرت نسبياً عندما تولى الملك المعز عز الدين أيبك، وذلك لفترة سبع سنوات متصلة، ولكنها عادت من جديد للاشتعال بمقتل الملك المعز ثم شجرة الدر، ثم ولاية الطفل نور الدين علي، ثم خلعه بواسطة سيف الدين قطز. الوضع العسكري ظلت الفتنة دائرة بين المماليك البحرية الصالحية الذين كانوا يؤيدون شجر الدرّ والمماليك المعزية الذين يؤيدون سيف الدين قطز، وقد فرّ كثير من المماليك البحرية إلى مختلف الإمارات الإسلامية في الشام، ومن بقي منهم في مصر بقي على وجل وترقب. وهذا الانقسام أضعف القوة العسكرية المصرية؛ لأن المماليك البحرية كانوا أساس الجيش المصري في ذلك الوقت. الوضع السياسي الخارجي إذا كان الوضع السياسي والعسكري داخل البلاد على هذه الصورة الخطيرة، فإن الوضع السياسي الخارجي كان يحمل مشكلات أخرى كبيرة؛ ذلك أن العلاقات كانت ممزقة تماماً بين مصر وبين كل جيرانها بلا استثناء، فالعلاقات الدبلوماسية مع كل إمارات الشام كانت مقطوعة تماماً، بل كانت روح العداء الشديد هي السائدة بين الطرفين، كما لم يكن لمصر أي سند من دول الشمال الأفريقي أو السودان، ومعنى هذا أن هذه العزلة المقيتة ستسهّل جداً على الوحش التتري مهمة ابتلاع مصر كما فعل بغيرها من قبل. الوضع الاقتصادي ولم يكن الوضع الاقتصادي في مصر بأحسن حالاً من الوضع السياسي أو السياسي أو الاجتماعي؛ فهناك أزمة اقتصادية طاحنة تمر بالبلاد من جراء الحملات الصليبية المتكررة، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، ومن جراء الفتن والصراعات على المستوى الداخلي، كما أن الناس انشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخلية والخارجية فتردّى الاقتصاد إلى أبعد درجات التردي، وباتت البلاد على حافة هاوية سحيقة شبه مؤكدة. كل هذا وأعداء الأمة قد اجتمعوا عليها، وبضراوة شديدة، فهناك الغرب الصليبي الحاقد جداً والذي مُني بهزائم قاسية مخزية في مصر منذ عشر سنوات تقريباً في المنصورة وفارسكور، ولاشك أن الصليبيين يريدون الثأر والانتقام، وقد يجدون أن الاضطرابات الأخيرة في مصر فرصة سانحة لرد الاعتبار، ولتحقيق أحلام الغزو. وهناك الإمارات الصليبية المزروعة في فلسطين منذ عشرات السنين، وفوق كل ذلك هناك الخطر الكبير القادم من الشرق، وهو التتار. الإعدادللمعركة الفاصلة استلم قطز رحمه الله هذه التركة المثقلة بالهموم والمشاكل.. ولمواجهة الخطر الخارجي كان لا بد من إصلاح الخلل الداخلي، وتصحيح أوضاع الأمة؛ حتى تكون مستعدة للدفاع عن نفسها، وقادرة على دفع الأخطار وردع الأعداء.. وهذا ما أدركه قطز بفطنته وهمته في الدفاع عن دينه وأمته. ولهذا بدأ بخطواته الإصلاحية الداخلية، وسارع في توحيد الصفوف بتقوية العلاقة بين الأمة وربها، والعلاقة بين أبنائها ببعضهم. وحدة الصف الخطوة الأولى التي حرص عليها قطز - رحمه الله - هي استقرار الوضع الداخلي في مصر، وقطع أطماع الآخرين في كرسي الحكم الذي يجلس عليه؛ لأن الطامع في الكرسي لن تهدأ له نفس أو تستقر له حال حتى يجلس على الكرسي الذي يريد، فكيف تصرف في هذا الموقف رحمه الله. إنه لم يقطع أطماعهم عن طريق التهديد والوعيد، فهذا - على العكس- يزيد الفتن اشتعالاً، ويؤجج نيران الحقد والحسد والغل، ولم يقطعها بتزوير إرادة الشعب وإيهام الجميع أن الشعب يريده هو بذاته، ولم يقطعها بالخداع والغش والمؤامرات والتحايل، ولكن قطز رحمه الله ارتفع بأخلاق المنافسين إلى درجة لم يتعودوا عليها في الفترة الأخيرة في مصر. لقد جمع قطز الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر، وكل هؤلاء من المحركين الفعليين لطوائف الشعب المختلفة، وقال لهم في وضوح: "إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطة من شئتم".. فهدأ معظم الحضور ورضوا بذلك. وحرص قطز على إبراز خطورة العدو القادم، وعلى إظهار الغاية النبيلة التي من أجلها صعد إلى كرسي الحكم، ومن المعروف أن الأزمات الشديدة التي تمرّ بالأمة يمكن أن تكون أزمات مجمِّعة إذا أحسن القائد استغلالها، ومن أفضل الأمور لتجميع الناس وتوحيد الصف "الجهاد".. ولهذا فالقائد الذي لا يجمع شعبه على قضية جهادية يفقد عادة حب شعبه، ويفقد ولاءهم له، بل وقد تكثر الفتن والقلاقل؛ لأن الناس سيعانون من حياة الدعة والركون، وسينشغلون بسفاسف الأمور، وعلى الناحية الأخرى ما رفع قائد مسلم ـ في كل تاريخ المسلمين ـ راية الجهاد بصدق إلا استقرت بلاده، وسار خلفه شعبه بكل حب وصدق ووفاء. وفوق ذلك فقطز يعلن بوضوح أنه سيجعل الأمر في الناس يختارون من يشاءون دون التقيد بعائلة معينة أو مماليك بذاتهم. يقول الدكتور السرجاني: ولا يستقيم هنا أن نفعل مثلما يفعل المحللون الغربيون أو بعض المحللين المسلمين الذين يعتمدون في تحليلاتهم على المدارس الغربية في التحليل والنقد، ويقولون: إنما قال قطز ذلك ليقمع المناوئين له، وليثبت نفسه في كرسيه مستغلاً حب المسلمين للجهاد.. لا يستقيم أن نطعن في نية قطز من وراء هذه الكلمات، وأن نفترض أن وراء الكلمات مراميَ أخرى.. ففوق أن إحسان الظن بالمؤمنين أمر مطلوب شرعاً، فإن الكلمات والأفعال تقيّم وتحسب دائماً في ضوء سيرة الشخص وحياته، وقد رأينا بعد ذلك سيرة قطز بعد أن تولى الملك، ورأينا سيرته في أثناء تحركاته إلى عين جالوت، ورأينا سيرته خلال موقعة عين جالوت وبعدها.. رأينا في كل ذلك ما يثبت أن كلامه كان صادقاً، وأن رغبته في قتال التتار والانتصار لهذا الدين كانت أعلى بكثير من رغبته في الملك.. وقد جعل الله نصر الأمة على يديه، وليس من سنة الله أن يكتب نصر الأمة على يد المنافقين والفاسدين، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]. وليس من الطبيعي أن يخلد تاريخ المسلمين رجلاً اختلطت في قلبه النوايا، ولعبت به الأهواء، ولذلك فإن قطز رجل نحسبه على خير، ولا نزكي على الله أحداً، وقد أجمع علماء الأمة على عدالته وفضله وتقواه. وإذا كان من الممكن قبول عذر المستشرقين والمحللين الغربيين في أن قطز كان يقصد الملك وليس الجهاد لأنهم في سياستهم وحياتهم لا يرون إلا هذه الأمثلة، فإن عذر المحللين المسلمين غير مقبول؛ لأن هذا المثال المخلص الذي لا يريد شيئاً لنفسه، وإنما يهب حياته لربه ودينه وشعبه ولقضايا أمته.. هذا المثال الراقي كثير جداً في أمتنا، ومتكرر جداً في تاريخنا.. وسبق قطز على هذا الطريق كثيرٌ من أبطالنا، ولحق به آخرون كثير، وسيظل الخير في أمة رسول الله إلى يوم القيامة. ومع أن قطز قد استخدم الأخلاق العالية، والأهداف النبيلة في تجميع القواد والعلماء حوله، إلا أنه لم يتخل عن حزمه في الإدارة، وعن أخذه بأسباب السيطرة على الأمور، فعزل الوزير ابن بنت الأعز المعروف بولائه الشديد لشجرة الدر، وولّى بدلاً منه وزيراً آخر يثق في ولائه وقدراته، وهو زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع، وفي ذات الوقت فإنه أقرّ قائد الجيش في مكانه وهو فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي (مع أنه من المماليك البحرية الصالحية) إلا أنه وجد فيه كفاءة عسكرية وقدرة قيادية وأمانة وصدق، وهي مؤهلات ضرورية لأي إمارة، (فارس الدين أقطاي الصغيرهذا غير فارس الدين أقطاي زعيم المماليك البحرية السابق، والذي قتل في سنة 652هـ قبل هذه الأحداث بست سنوات). وبذلك فإن قطز قد حفظ الأمانة، ووسد الأمر لأهله، وبصرف النظر عن كونهم من المماليك البحرية أو المعزية، وهذا تجرد واضح من قطز رحمه الله. كما أنه ذكاء سياسي واضح أيضاً؛ فهو بهذا يستميل قلوب المماليك البحرية الذين فروا في أنحاء الشام وتركيا، ويبث الاطمئنان في نفوسهم، وهذا سيؤدي إلى استقرار الأوضاع في مصر، كما أنه سيجعل البلاد تستفيد من الخبرات العسكرية الفذة للمماليك البحرية. كما قام قطز أيضاً بالقبض على بعض رؤوس الفتنة الذين حاولوا أن يخرجوا على سلطته وحكمه، وبذلك هدأت الأمور نسبياً في مصر. وعلم قطز رحمه الله أن الناس إن لم يُشغلوا بالجهاد شُغلوا بأنفسهم، ولذلك فبمجرد أن اعتلى عرش مصر أمر وزيره زين الدين، وكذلك قائد الجيش فارس الدين أقطاي الصغير أن يجهزا الجيش، ويعدا العدة، وينظما الصفوف، فانشغل الناس بهذه الغاية النبيلة، والمهمة العظيمة: الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الأمة. إذن الخطوة الأولى في سياسة قطز في إعداده لموقعة عين جالوت كانت السيطرة على الوضع الداخلي للبلاد، وشغل الناس بالقضايا المجمعة للأمة، وإبراز الهدف الحقيقي من السلطان، وهو إقامة الشرع والدفاع عن البلاد، والقيام بشؤون الرعية، وحماية مصالح العباد، وليس مجرد جمع المال، وضمان توريث الكرسي للأبناء، بل وأبناء الأبناء. وبذلك استقرت الأحوال المحلية في مصر، وتوحد الصف الداخلي، وهذه خطوة عظيمة جداً في بناء الأمم. العفو عن المماليك البحرية بعد أن استقرت الأحوال المحلية في مصر، وتوحد الصف الداخلي، اتخذ قطز خطوة جديدة أكثر أهمية في إعداده لمعركة عين جالوت، وكانت خطوة في منتهى الروعة والحكمة، وأبرزت الأخلاق الرفيعة جداً لقطز رحمه الله. لقد أصدر قراراً بالعفو العام الحقيقي عن كل المماليك البحرية، ولم يكن خدعة سياسية لأجل معين، ولم يكن هذا العفو شهر عسل مؤقت إلى أن تهدأ الأمور، إنما كان أمراً يهدف فعلاً إلى المصالحة الحقيقية، ويرمي بصدق إلى إصلاح الأوضاع، ولَمّ الشمل، ودرء المفاسد. لقد أبرز هذا القرار الرائع أخلاق قطز الرفيعة، ونسيانه لكل الضغائن السابقة، وذلك مع كون القوة في يديه، وهذا من أرفع الأخلاق "العفو عند المقدرة"، كما أبرز هذا القرار النظرة السياسية العميقة لقطز، فقوات المصريين من المماليك المعزية وغيرهم قد لا تكفي لحرب التتار. ولا شك أن المماليك البحرية قوة عظيمة جداً وقوية جداً، ولها خبرات واسعة في الحروب، وقد اشترك الكثير منهم في حروب الصليبيين السابقة، ومن أشهرها موقعة "المنصورة" العظيمة، والتي كانت منذ عشر سنوات (سنة 648 هجرية).. فإضافة قوة المماليك البحرية إلى قوة المماليك المعزية ستنشئ جيشاً قوياً أقدر على مهاجمة التتار، وهذا مما لا يشك فيه أحد، إذ إنه معلوم أن الوحدة طريق النصر، كما أن التنازع والتصارع والفرقة طريق الفشل والهزيمة. وقطز رحمه الله يعلم أن أوضاع المماليك البحرية في بلاد الشام غير مستقرة، وما ذهبوا إلى هناك إلا مضطرين، وأملاكهم وحياتهم وقوتهم في مصر، وهو بهذا الإعلان النبيل الذي قام به سيستقدم عدداً لا بأس به منهم، وقد تحقق له فعلاً ما أراد، ومنذ أن أعلن هذا القرار والمماليك البحرية تتوافد على مصر من بلاد سلاجقة الروم (تركيا الآن)، ومن الكرك بالأردن، ومن دمشق، ومن غيرها، وهكذا صار المماليك قوة واحدة من جديد، واستقبلهم قطز استقبالاً لائقاً، ولم يتكبر عليهم تكبر المتمكن، بل عاملهم كواحد منهم. وإذا كان فعل قطز النبيل مع كل المماليك البحرية في كفة، ففعله النبيل مع قائد المماليك البحرية ركن الدين بيبرس في كفة أخرى، فبيبرس هو أخطرهم مطلقاً، ولو كان في نفس قطز غدر أو خيانة أو مصالح سياسية مجردة من الأخلاق ما استقدم بيبرس إلى مصر أبداً. وكان بيبرس قد فرَّ من مصر إلى الناصر يوسف صاحب دمشق ـ الذي كان موالياً للتتار في فترات كثيرة، ومدعياً الجهاد ضدهم في فترات أخرى ـ وقد أنكر عليه بيبرس خضوعه أمام التتار وعزمه على عدم القتال، ولكن الناصر يوسف لم يسمع له، وعندما قدم التتار في اتجاه دمشق فرّ الناصر يوسف ومن معه إلى الجنوب، واضطر بيبرس ـ وقد وجد نفسه بمفرده ـ أن يهرب هو الآخر إلى الجنوب في اتجاه فلسطين، حيث واصل الناصر يوسف فراره إلى الكرك ثم إلى الصحراء، ووجد بيبرس نفسه وحيداً في غزة ولم يدر ماذا يفعل. في هذا الموقف العصيب، وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وهو الذي كان قائداً للمماليك البحرية بأكملهم، أي بمثابة وزير الحربية في زماننا، في هذا الموقف العصيب وهو مشتت بين قوات التتار القادمة من الشمال، والملك الناصر الذي فر إلى الصحراء، ومصر التي هرب منها.. في هذا الموقف الصعب يأتيه خطاب قطز يعرض عليه القدوم إلى مصر معززاً مكرماً مرفوع الرأس محفوظ المكانة. لقد كان قطز رحمه الله يدرك أموراً كثيرة مهمة.. يدرك أولاً الكفاءة القتالية العالية جداً، والمهارة القيادية رفيعة المستوى لركن الدين بيبرس، والحمية الإسلامية لهذا القائد الفذ. ويدرك ثانياً الذكاء الحاد الذي يتميز به بيبرس، والذي سيحاول قطز أن يوظفه لصالح معركة التتار بدلاً من أن يُوظف في معارك داخلية ضد المماليك ويدرك ثالثاً ولاء المماليك البحرية لركن الدين بيبرس، وأنه إن ظل هارباً فلا يأمن أحد أن ينقلب عليه المماليك البحرية في أي وقت؛ لذلك فمن الأحكم سياسياً أن يستقطب بيبرس لصفه، ويعظم قدره، ويستغل قدراته وإمكانياته، وبذلك يضمن استقرار النفوس، وتجميع الطاقات لحرب التتار بدلاً من الدخول في معارك جانبية لا معنى لها لذلك لما قدم بيبرس إلى مصر بعد استقدام قطز له، عظّم قطز من شأنه جداً، وأنزله دار الوزارة، وعرف له قدره وقيمته، بل وأقطعه "قليوب" وما حولها من القرى، وعامله كأمير من الأمراء المقدمين، بل وسيجعله كما سنرى على مقدمة جيوشه، وهكذا نتعلم من قطز العفو عند المقدرة، وإنزال الناس منازلهم، والفقه السياسي الحكيم، والحرص على الوحدة، ونتعلم منه شيئاً في غاية الأهمية في الأصول الإسلامية: وهو أنه ليس معنى أن يكون الإنسان سياسياً حكيماً بارعاً أن يتنازل عن أخلاقه؛ فليست السياسة في الإسلام نفاقاً، وليست السياسة في الإسلام ظلماً، وليست السياسة في الإسلام كبراً، وليست السياسة في الإسلام فقداناً للضمير أو خلفاً للعهد أو نقضاً للمواثيق، بل السياسة في الإسلام جزء لا يتجزأ من الدين، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفصل بينها وبين الدين، ولا أن تستخدم فيها معايير تختلف مع أصول الإسلام. كما علمنا قطز رحمه الله أن القائد الذي يثق في نفسه لا يمانع من ظهور طاقات بارزة إلى جواره، وذلك على عكس ما يفعل كثير من الزعماء الضعفاء فلا يسمحون أبداً لأي كفاءة أن تبدع إلى جوارهم، وذلك لكي لا يصبح لهذه الكفاءات رصيد من الحب والاحترام عند الشعب فتقوى مكانتهم، ويرتفع قدرهم، ومن ثم قد ينازعون الزعيم سلطانه، وما كل هذه المخاوف في قلوب هؤلاء الزعماء إلا لإحساسهم بضعفهم وصغارهم وافتقادهم للرصيد الحقيقي من الحب عند شعوبهم، ولكن قطز رحمه الله لم يكن من هذه الزعامات الفارغة، إنما كان زعيماً قوياً ذكياً مخلصاً واعياً محباً لدينه ووطنه وأمته، كان يدرك من نفسه هذه الأمور، وكذلك كان الشعب يدرك عنه هذه الأمور، ومن ثم لم يكن هناك داع للتردد أو الخوف. وهكذا انضمت قوة المماليك البحرية ـ وعلى رأسها القائد ركن الدين بيبرس ـ إلى قوة الجيش المصري المسلم، ولا شك أن هذا رفع من معنويات المصريين جداً..لقد كانت خطوة العفو عن المماليك البحرية من أعظم الخطوات في حياة قطز رحمه الله وحقاً كانت كل خطواته عظيمة. الوحدة مع الشام إذن كانت الخطوة الأولى لقطز رحمه الله هي الاهتمام بالاستقرار الداخلي للبلاد، وكانت خطوته الثانية هي استقدام الفارّين من المماليك البحرية، والاستفادة من طاقاتهم وإمكانياتهم، وتقوية الجيش بهم. أما الخطوة الثالثة له فكانت حرص قطز على الاستقرار الخارجي مع جيران مصر من المسلمين بعد الاستقرار الداخلي في مصر. فالعلاقات كانت متوترة مع إمارات الشام الأيوبية، وقد فكروا أكثر من مرة في غزو مصر، ونقضوا الحلف الذي كان بين مصر والشام أيام الصالح نجم الدين أيوب، واستقطبوا المماليك البحرية عندهم عندما فروا من مصر، وهم يتربصون بمصر الدوائر في كل يوم، بل إن الناصر يوسف الأيوبي أمير دمشق وحلب كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يعاونوه في غزو مصر. مع كل هذه الخلفيات المعقدة للعلاقة بين مصر والإمارات الأيوبية إلا أن قطز سعى لإذابة الخلافات التي بينه وبين أمراء الشام، وكان يسعى إلى الوحدة مع الشام، أو على الأقل تحييد أمراء الشام، فيخلوا بينه وبين التتار دون أن يطعنوه في ظهره كما اعتادوا أن يفعلوا. رسالة قطز إلى الناصر يوسف ووجد قطز رحمه الله أن رأس هؤلاء والمقَدَّم عليهم هو الناصر يوسف الأيوبي صاحب إمارتي حلب ودمشق، وهو أكبرهم، ويحكم أعظم مدينتين في الشام، وكان قطز يعلم تمام العلم كراهية الناصر يوسف له، ويعلم بأنه طلب من التتار أن يساعدوه في حربه، ومع كل هذا فقد أرسل له قطز رحمه الله رسالة تفيض رقة وعذوبة، وكأنه يخاطب أقرب المقربين إليه. وكانت هذه الرسالة قبل قدوم التتار إلى حلب، واحتمال التعاون بين التتار والناصر يوسف قائم، فأراد قطز أن يوحد بينه وبين الناصر يوسف ـ على ما به من عيوب وخطايا ـ بدلاً من أن يضطر قطز إلى مواجهة جيش الشام من المسلمين، ولكن قطز كان يعلم أن أعظم أهداف الناصر هو البقاء على كرسي الحكم، ولن يضحي به مهما كانت الظروف؛ لذلك فإن قطز أرسل له رسالة عجيبة فعلاً. لقد أرسل له يعرض عليه الوحدة، على أن يكون الناصر يوسف الأيوبي هو ملك مصر والشام، لقد عرض عليه أن يكون هو - أي قطز - تابعاً للناصر يوسف، مع أن موقف قطز العسكري الآن أفضل بكثير من موقف الناصر يوسف، ومع أن مصر كدولة أقوى بكثير من مدينتي حلب ودمشق. لقد قال له قطز رحمه الله في رسالته إنه لا ينازع الملك الناصر في الملك ولا يقاومه، وأنه ـ أي قطز ـ نائب عن الناصر في ديار مصر، وأن الناصر متى جاء إلى مصر أجلسه فوراً على كرسي الحكم فيها. هذه أمور لا يتخيلها إنسان بموازين السياسة المادية، ولا يمكن أن تُفهم إلا إذا أدخلت في حساباتك البعد الإيماني الأخلاقي ـ لا السياسي فقط ـ عندقطز. ثم إن قطز رحمه الله علم أن الناصر يوسف قد يتشكك في أمر الوحدة الكاملة، أو في أمر القدوم إلى مصر، فعرض عليه أن يقوم - أي قطز - بإمداده بالمساعدة لحرب التتار، فتتحقق المصلحة المشتركة في هزيمة التتار، وإن لم تتحقق الوحدة الكاملة بين مصر والشام. قال قطز في أدب جمّ، وخلق رفيع: "وإن اخترتَني خَدَمْتُكَ، وإن اخترتَ قَدِمْتُ وَمَنْ معي من العَسْكر نجدةً لك على القادم عليك، فإن كنت لا تَأْمَن حُضوري سَيَّرْتُ لك العساكر صُحْبَةَ من تختاره..". فهو يعطي الناصر يوسف صلاحيات اختيار قائد الجيش المصري الذي يذهب لنجدته في الشام. لكن الناصر يوسف لم يستجب لهذه النداءات النبيلة من قطز، وآثر التفرق على الوحدة، فكانت النتيجة أن سقطت حلب، وهُدّدت دمشق، وفرّ الناصر فراره المخزي إلى فلسطين، وعند فلسطين حدث الذي كان لابد أن يحدث منذ زمن، لقد خرج جيش الناصر عن طوعه، وآثر الانضمام إلى جيش مصر حيث القائد المحنك المخلص قطز، وحيث القضية الواضحة والهدف الثابت، وحيث الجهاد في سبيل الله، لا في سبيل الكرسيّ. وعلى قدر نجاح القائد الفذ قطز فإن الناصر يوسف قد فشل في كل امتحاناته، لقد فشل أمام التتار، وفشل أمام قطز، وفشل أمام جيشه، وفشل أمام شعبه، والآن اتجه جيشه إلى مصر، بينما فرّ هو وحيداً إلى حصن الكرك بالأردن، ثم لم يطمئن هناك فترك الحصن، واتجه إلى الصحراء عنبعض الاعراب عندما وصل الناصر يوسف إلى المكان الذي اختفى فيه في الصحراء في منطقة تسمى "الجفر" في جنوب الأردن إذا بالمجموعة التترية التي أرسلها هولاكو للقبض عليه تلقاه في ذلك المكان، فأمسكوا به ذليلاً هو وابنه (العزيز)، واقتادوهما إلى هولاكو، ولكن هولاكو كان قد غادر حلب إلى تبريز في فارس كما وضحنا سابقاً، فتوجهوا به إلى هولاكو في تبريز، وهناك بعد أن استقبل هولاكو الناصر فكر في أن يبقيه على قيد الحياة ليستعمله في قيادة الشام بعد ذلك لطول خبرته، ولخسة نفسه، فلم يقتله بل رده مع جنده إلى الشام، وفي الطريق التقى الناصر يوسف ببعض التتار الفارين من الشام بعد هزيمة عين جالوت كما سيأتي فرأوا الناصر فقتلوه. لقد كانت هذه نهايات ذليلة جداً لأمراء كان من الممكن أن يرتفعوا فوق الأعناق، ويُخَلدوا في التاريخ، لو رفعوا راية الجهاد بصدق، ولكنهم آثروا الذل على العزة، وفضلوا الحياة التعيسة الضنك على الموت الشريف في سبيل الله.وهكذا ازداد قطز رحمه الله قوة بانضمام جيش الناصر الشامي له، وبقتل الناصر الذي كان يمثل حجر عثرة في طريق المسلمين. قطز يراسل أمراء الشام لم يكتف قطز رحمه الله بهذه الجهود الدبلوماسية مع الناصر بل راسل بقية أمراء الشام، فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماة، وجاء من حماة ومعه بعض جيشه للالتحاق بجيش قطز في مصر. أما المغيث عمر صاحب الكرك بالأردن فقد آثر أن يقف على الحياد، فقد كان من الذين عاونوا الناصر في حركة الجهاد المزعومة التي قام بها الناصر، ولما فر الناصر عاد المغيث عمر إلى حصن الكرك، وهو ليس من أهل الجهاد، ويكنّ كراهية كبيرة للمماليك، وحاول مرتين قبل ذلك أن يحتل مصر، وصده قطز في المرتين، فآثر المغيث عمر أن يظل مراقباً للأحداث للالتحاق بعد ذلك بالمعسكر الفائز سواء كانوا من المسلمين أو من التتار. وأما الأشرف الأيوبي صاحب حمص فقد رفض الاستجابة تماماً لقطز، وفضل التعاون المباشر مع التتار، وبالفعل أعطاه هولاكو إمارة الشام كلها ليحكمها باسم التتار.وأما الأخير وهو الملك السعيد حسن بن عبد العزيز صاحب بانياس فقد رفض التعاون مع قطز هو الآخر رفضاً قاطعاً، بل انضم بجيشه إلى قوات التتار يساعدهم في فتح بلاد المسلمين. وهكذا خرج قطز من علاقاته الدبلوماسية الخارجية بأمور مهمة: فقد تحالف مع أمير حماة المنصور، وانضم إليه أيضاً جيش الناصر، وحيّد إلى حد كبير المغيث عمر صاحب الكرك، وهذه النتائج تعتبر نتائج مهمة جداً ومؤثرة للغاية، وحتى الانضمام السافر للأمير الأشرف الأيوبي والملك السعيد بن عبد العزيز إلى التتار كان مهماً، حيث إنه كشف أوراقهما بجلاء، وبُنيت خطة قطز على أساس وضوح الرؤية تماماً.كان هذا هو الوضع السياسي والعسكري لمصر في أوائل سنة 658هـ، وقد سقطت في ذات الوقت حلب ودمشق وكل فلسطين حتى غزة تحت حكم التتار، والمعروف أن غزة قريبة جداً من الحدود المصرية. التربية بالقدوةلقد سلك قطز طريقين من أعظم طرق التربية لنفسه ولجنده ولشعبه، ومن أبلغ وسائل التحميس والتحفيز على عمل قد يستصعبه كثير من الناس.. أما الطريق الأول فهو طريق "التربية بالقدوة".. لقد قال لهم قطز في شجاعة وعزم: "أنا ألقى التتار بنفسي". لقد فقه قطز عملياً ما أدركه كل المسلمين نظرياً، وهو أنه "لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها".. لكن مَن مِن المسلمين يعيش واقع حياته فعلاً بهذا المفهوم الذي عرفه نظرياً؟. التذكير بالجهادأما الطريق الثاني فهو التذكير بعظم الهدف الذي من أجله خلق الإنسان، وبنبل الغاية التي من أجلها نعيش على الأرض..إنه يرتفع بنفوس الناس من مطامع الناس المادية البحتة إلى آفاق عالية.. إنه يربط كل عمل يعملونه بإرضاء الله، وبنصرة الدين. إذا عظم كل واحد منا أمر الإسلام في قلبه فإنه سيستصغر أي تضحية في سبيل نصرة هذا الدين..هذه من أبلغ وسائل التحميس والتحفيز.. أن تعظم الغاية والهدف إلى أقصى درجة.. فيصبح جهادُك واستعدادُك وحركتك نوعًا من العبادة لله رب العالمين. لقد قال لهم قطز في صراحة: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين". ولا يخفي الإشارة المهمة التي ذكرها قطز من أن هؤلاء الأمراء والوزراء قد عاشوا سنوات يأكلون من بيت مال المسلمين، بل ويكثرون من الأكل والجمع حتى فقدت وظائفهم كل معنى، ولم يبق لها إلا معنى واحد هو استغلال المنصب لأقصى درجة لزيادة الثروة، من الحلال وغير الحلال على السواء، وما عاد الوزير يعتقد أنه موظف عند الشعب وليس سيداً عليهم، وأنه كما أن له حقوقاً فإن عليه واجبات، وأنه مسؤول ومحاسب من الله ومن شعبه على كل خطوة، وعلى كل درهم أو دينار.. لقد كانت هذه الكلمات من قطز تهدف إلى إيقاظ الضمير، وإلى إحياء الأمانة، وكشفت هذه الكلمات الوزراء أمام أنفسهم.. لقد كان قطز يرى بوضوح ما بداخل كل وزير. ثم تحركت المشاعر بصورة أكبر وأكبر في صدر قطز رحمه الله، حتى وقف يخاطب الأمراء وهو يبكي ويقول:يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن". أحياناً ينتظر المسلم أن يأتي النصر من مسلمين آخرين.. ينتظر أن يتحرك للإسلام فلان أو غيره، ولكنه قليلاً ما يفكر هو في التحرك.. بل كثيراً ما يقوم بعملية نقد وتحليل وتعليق على أفعال وأقوال العاملين للإسلام، أما هو فلا يتحرك. أحياناً ينتظر المسلم أن يخرج صلاح أو خالد أو قطز أو القعقاع من بيت جاره، أو من بلد آخر، ولا يفترض أن يخرج هؤلاء من بيته هو شخصياً. قرار الجهادقرار من أعظم القرارات التي اتخذها قطز، وهو قرار من أخطر القرارات في تاريخ مصر مطلقاً.. وهو قرار لا ينفع أن يرجع عنه القائد أو الجيش أو الشعب، وقطز رحمه الله يعلم أن قلوب الأمراء وافقت تحت تأثير القدوة، وتحت تأثير التذكير بالله، وبالواجب نحو الإسلام، لكن من الممكن لهذه القلوب أن تتردد وأن تخاف، ولذلك فقد أراد قطز أن يفعل أمراً يقطع به خط الرجعة تماماً على الأمراء، ويقطع به الأمل في الاستسلام، ولا يبقى أمامهم غير الخيار العسكري فقط. رسالة هولاكو إلى قطزبينما كان قطز في إعداده المتحمس، وفي خطواته السريعة، جاءته رسل هولاكو يخبرونه أن اللقاء سيكون أسرع مما يتخيل، وأن الحرب على وشك الحدوث.. وبينما كان قطز رحمه الله في حاجة إلى بضعة شهور للإعداد إذا بالأيام تتسرب من بين يديه، والحرب مفروضة عليه، وما بين عشية وضحاها ستهجم الجحافل الهمجية على مصر، شاء قطز أم أبى، فالصراع سيكون قريباً. جاءت رسالة هولاكو مع أربعة من الرسل التتار.. وقرأ قطز رحمه الله فإذا فيها ما يلي«مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنّا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ.. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟، وأي طريق تنجيكم؟، وأي بلاد تحميكم؟. فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم. فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم. فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم".وانتهت الرسالة العجيبة التي خلت من أي نوع من أنواع الدبلوماسية، إنما كانت إعلاناً صريحاً بالحرب، أو البديل الآخر وهو التسليم المذل، ولابد أن يكون التسليم مذلاً، بمعنى أنه دون فرض أي شروط، أو طلب أي حقوق.عقد قطز رحمه الله مجلساً استشارياً أعلى، وجمع كبار القادة والأمراء والوزراء، وبدءوا فوراً في مناقشة القضية الخطيرة التي طرحت أمامهم، والخيارات محدودة جداً، إما الحرب بكل تبعاتها، وإما التسليم غير المشروط.أما قطز رحمه الله فكانت القضية في ذهنه واضحة تمام الوضوح، إنه لم يطرح الخيارين على نفسه للتفكير، فخيار السلام ـ أو "الاستسلام" ـ في هذا الموقف غير وارد عنده أبداً، وهو يعلم تمام العلم أن الحقوق لا "توهب" بل "تؤخذ"، وأن الجيوش المعتدية لا " تُقنع" بالعودة إلى بلادها، بل "تُرغم" على العودة إلى بلادها.لكن الأمراء الذين اجتمعوا معه لم يكونوا على نفس الدرجة العالية جداً من الفقه والفهم.. نعم لديهم حمية دينية عالية، ونعم يحبون الإسلام حباً جماً، ونعم على درجة راقية من الفروسية والمهارة القتالية، لكن الاختبار صعب جداً. لقد كانت الفجوة هائلة فعلاً بين إمكانيات التتار كدولة من كوريا شرقاً إلى بولندا غرباً، وإمكانيات مصر التي مهما زادت فهي محدودة.. لقد كانت الفجوة هائلة فعلاً بين أعداد التتار وأسلحة التتار، وأعداد المصريين وأسلحة المصريين، هذا فوق السمعة الرهيبة لجيوش التتار، وفوق الملايين المسلمة التي ذُبحت على أيدي التتار، بالإضافة إلى الجيوش الخوارزمية والأرمينية والكرجية والعباسية والأوروبية والشامية التي هُزِمت أمام جيوش التتار. لقد شاعت في تلك الأزمان كلمة تناقلها العوام والخواص.. كانوا يقولون: "إذا أخبرك أحد أن التتار يُهزمون فلا تصدقه"..كل هذه التراكمات جعلت الأمراء يترددون في قبول ما رآه قطز رحمه الله أمراً واضحاً جداً لا تردد فيه.. وظهر عليهم الهلع والضعف والتثاقل إلى الأرض. لقد قرر قطز بعد أن استشار مجلسه العسكري أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وأن يعلّق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة، وذلك حتى يراها أكبر عدد من الشعب، وهو يرمي بذلك إلى طمأنة الشعب بأن قائدهم لا يخاف التتار، وهذا سيرفع من معنوياتهم، كما أن هذا الردّ العنيف سيكون إعلاناً للتتار أنهم قادمون على قوم يختلفون كثيراً عن الأقوام الذين قابلوهم من قبل، وهذا قد يؤثر سلباً على التتار، فيلقي في قلوبهم ولو شيئاً من الرعب أو التردد، ويبقى الهدف الأكبر لقتل الرسل الأربعة هو قطع التفكير في أي حل سلمي للقضية، والاستعداد الكامل الجادّ للجهاد، فبعد قتل الرسل الأربعة لن يقبل التتار باستسلام مصر حتى لو قبل بذلك المسلمون.قطز والمشكلة الاقتصادية المشكلة الاقتصاديبعد هذا الاجتماع الخطير، وبعد هذا القرار الصعب، وبعد قتل الرسل.. بدأ قطز رحمه الله في التجهيز السريع للجيش، فقد اقتربت جداً لحظة المواجهة.. لكن واجهت قطز مشكلة أخرى ضخمة لا تقل عن المشاكل التي قابلها قبل ذلك.. ولاحِظوا أن قطز رحمه الله قد تولّى عرش مصر في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 657هـ، وجاءته رسالة هولاكو قبل أن يغادر هولاكو أرض الشام عائداً إلى منغوليا بعد وفاة زعيم التتار منكوخان، وهولاكو غادر الشام بعد سقوط حلب بقليل، وقبل فتح دمشق، فسقوط حلب في ربيع الأول سنة 658هـ.. أي بعد تولّي قطز رحمه الله لرئاسة مصر بثلاثة شهور فقط.إذن كل الترتيبات والخطوات التي أخذها قطز رحمه الله أخذت في ثلاثة شهور فقط، والمشاكل التي قابلها تحتاج فعلاً إلى سنوات - بل إلى عقود كاملة - حتى يتم حلها على الوجه الأمثل.. لكنه رحمه الله استعان بالله، وبدأ بحمية ونشاط يتعامل مع المشكلة تلو الأخرى، والهدف في ذهنه واضح جداً: لابدّ من القضاء على هذه القوة الهمجية.. قوة التتار، وتحرير بلاد المسلمين.والمشكلة الجديدة التي أمام قطز الآن هي المشكلة الاقتصادية. لابدّ من تجهيز الجيش المسلم، وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار.. هذه أمور ضخمة جداً.. والأزمة الاقتصادية التي تمر بالبلاد أزمة طاحنة.جمع قطز رحمه الله مجلسه الاستشاري، ودعا إليه ـ إلى جانب الأمراء والقادة ـ العلماء والفقهاء، وعلى رأسهم سلطان العلماء الشيخ العزّ بن عبد السلام رحمه الله.. وبدءوا يفكرون في حلّ للأزمة الاقتصادية الطاحنة، وكيف يوفرون الدعم الكافي لتجهيز الجيش الكبير الخارج لملاقاة التتار. واقترح قطز رحمه الله أن تفرض على الناس ضرائب لدعم الجيش، وهذا قرار يحتاج إلى فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون سوى الزكاة، ولا يدفعها إلا القادر عليها، وبشروط الزكاة المعروفة، أما فرض الضرائب فوق الزكاة فهذا لا يكون إلا في ظروف خاصة جداً، ومؤقتة جداً، ولابدّ من وجود سند شرعي يبيح ذلك.. وإلا صارت الضرائب م*اً. قال الشيخ العزّ بن عبد السلام رحمه الله: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم (أي العالم الإسلامي)، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم (أي فوق الزكاة) بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء"، هذا هو الشرط الأول. أما الشرط الثاني فكان أصعب، قال الشيخ العزّ بن عبد السلام رحمه الله: "وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا".قبل قطز كلام الشيخ العز بن عبد السلام ببساطة، وبدأ بنفسه، فباع كل ما يملك، وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع، وتم تجهيز الجيش المسلم بالطريقة الشرعية. واكتشف المسلمون في مصر أن مصر غنية جداً، وأن البلد به أموال ضخمة برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فقد امتلأت جيوب كثير من الوزراء والأمراء بأموال البلد الهائلة..ثم جاء قطز رحمه الله وبدأ في عملية تنظيف منظمة للبلد، تنظيف لليد والقلب.أخيراً اصطلح القائد مع شعبه بعد سنوات من القطيعة بين الحكام والشعوب، فكانت النتيجة تجهيز جيش عظيم مهيب، غايته نبيلة، وأمواله حلال، ودعاء الناس له مستفيض، وإعداده جيد.. {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. ونصر الله لا يكون إلا بتطبيق شرعه، والجيش المسلم الذي يخالف قاعدة شرعية لا يمكن أن ينصره الله، فالبداية بيد المسلمين. إعداد الشعبوتبدأ حملة إعلامية تربوية في غاية الأهمية.. ليست للقائد أو للجيش فقط.. بل للشعب بأكمله..ولابد أن يقوم بالحملة الإعلامية رجال مخلصون، فأحياناً يقف بعض المنافقين يتحدثون عن الجهاد، ويشرحون مآسي المسلمين في قطر ما، وما يفعلون ذلك إلا لمصلحة سياسية مؤقتة، فإذا انقضت المصلحة انقطع الوازع، وانقطع معه الكلام عن الجهاد وعن الحرب. انطلق الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله ومن معه من علماء الأمة، يصعدون منابر المساجد، ويلهبون مشاعر الناس بحديث الجهاد..لقد رغّبوا الناس في الجنة، وزهّدوهم في الدنيا، وعظّموا لهم أجر الشهداء. إعداد الشعب ليوم الجهاد مهمة عظيمة، وهي ليست سهلة أو بسيطة.. إنما تحتاج لمجهود كبير، ولمناهج مكثفة، ولإخلاص عميق، ولوقت قد يكون طويلاً.. وب |
|