يوم السبت 30 يوليه بأسلحة رشاشة ومدافع جيرنوف وأر.بي .جي ، ونتج عنه مقتل أربعة مصريين بينهم ضابطان أحدهما من الجيش والثاني من الشرطة بخلاف قرابة 30 مصابا ، يثير تساؤلات حول الجهة التي قامت به ، والهدف من وراءه ؟!.
فهذا الهجوم ليس الأول من نوعه وأهدافه تبدو غامضة .. وإذا كان تعدد مرات تفجير خط الغاز الذي ينقل الغاز من مصر لاسرائيل والأردن حتي وصلت الي خمسة تفجيرات منذ 25 يناير ، مفهوما أهدافه والمتهمون بتفجيره ينحصرون في اطراف مصرية معارضة أو فلسطينية تتسلل لسيناء وتبدو أهدافه كأنها موجهة لدولة الاحتلال كي لا تستفيد من الغاز المصري .. فهذا الهجوم علي المدينة نفسها ونشر الفوضي فيها وقتل الابرياء والحرص علي خلخلة الأمن بها ، يشير لأن الهدف أكبر ويستهدف أمن سيناء وأمن مصر لأن سيناء تمثل لمصر الأمن القومى ، وإحداث فوضى فى مصر تستهدف أن يفقد الجيش سيطرته على الأحداث فى مصر .. ما يشير لمخطط كبير وربما وقوف اسرائيل وراء ما يجري عبر عملاء لها في سيناء .
ولعل هذا هو ما دفع خبراء عسكريون واستراتيجيون مصريون لطلب إعلان حظر التجوال والأحكام العرفية على شبه جزيرة سيناء بأكملها، واتهم عدد منهم إسرائيل مباشرة بالتورط فى أحداث العريش، باعتبارها صاحبة مصلحة في خلخلة أمن سيناء ومن ثم أمن مصر ، فيما ألقى البعض الآخر بالمسؤولية على تنظيم «جيش الإسلام» فى قطاع غزة، وأتهم فريق ثالث متطرفون من جماعات تتبني فكر القاعدة في سيناء أو غزة مثل تنظيم "جيش الاسلام" بزعامة ممتاز دغمش ، بينما اتفق الجميع على أن العريش تعتبر «خطاً أحمر» للأمن القومى المصرى.
دلالات هوية المهاجمين
كان من الملفت - سواء بشهادة الشهود أو الفيديوهات التي تم رفعها علي موقع يوتوب – أن هؤلاء المخربون الملثمون بدأوا نشاطهم بجولة بالسيارات والموتوسيكلات وهم يرفعون رايات سوداء مكتوب عليها لا إله إلا الله، وعندما وصلوا الي مسجد الرفاعي في العريش قاموا بما يشبه مظاهرة سلمية هتفوا فيها بعبارات أسلامية تشير لأنهم من التيارات الاسلامية ، ثم فجأة تحولت المظاهرة السلمية إلى إطلاق نار كثيف ومعركة حربية مسلحة وأنتقل المسلحون لمنطقة قسم شرطة العريش ثان ونصبوا مدافع جيرنوف قبالته ثم بدأوا في قصف قسم الشرطة بالصواريخ والقذائف واستمر القال مدة 6/9 ساعات حتي بعد وصول تعزيزات من الجيش .
هذه الأدلة دفعت البعض للقول أنهم اسلاميين ومن جماعات جهادية أو قاعدية أو من التكفير والهجرة بسبب الرايات السوداء الذي يرفعها غالبا المقاتلون من القاعدة في أفغانستان ، وبسبب الهتافات الاسلامية ومنها ما أشيع عن حديثهم عن (إمارة اسلامية في سيناء) .. ومع هذا قال البعض من الشهود أن هذه المظاهر ما هي الا طريقة للتخفي وإخفاء هويتهم وأنه من غير المنطقي أن تقوم تيارات اسلامية بقتل أبناء العريش بعدما أصبح مسموحا لهم التظاهر والخروج بحرية والمشاركة السياسية علنا وهيمنوا علي ميدان التحرير بالقاهرة في نفس اليوم .
أيضا قال اللواء عبدالوهاب مبروك، محافظ شمال سيناء، أن العناصر المنتمية لتنظيم القاعدة داخل المحافظة مرصودة وتحت مراقبة أجهزة الأمن ، مرجحا تورط عناصر خارجية قال أنها تستهدف إجهاض ثورة ٢٥ يناير ، ومستبعدا ضمنا تورط عناصر اسلامية من سيناء .
أيضا كشف مدير أمن شمال سيناء اللواء صالح المصري أن قوات الأمن تمكنت من القبض على 15 ملثمًا من الذين هاجموا قسم العريش بينهم 10 فلسطينيين، بينما لم يُستدل على جنسية الـ5 مهاجمين الآخرين وأن من بين الفلسطينيين المقبوض عليهم ثلاثة تم التحفظ عليهم فى مستشفى العريش العام أثناء تلقى العلاج؛ حيث أصيبوا بطلقات نارية في المواجهات وهم: يوسف عمر سعيد (19 عاما) وباسم محمد سعيد (24 عاما) وعلاء محمد المصرى (18 عاما) وقد لقى الأخير مصرعه متأثرا بجراحه".
وهو ما يشير لتورط فلسطينيين بصورة أكبر خصوصا أن شهود عيان قالوا أنهم سمعوا بعضهم يتحدث بلهجة شامية واضحة ، دون إستبعاد مشاركة مصريين معهم .
ثلاث جهات متهمة بالجريمة
وبشكل عام يمكن حصر الذين وجهت لهم أصابع الاتهام بالقيام بهذا العدوان علي العريش وعلي قسم الشرطة في ثلاثة جهات متهمة : (الأولي) هم الجماعات الجهادية القريبة من تنظيم القاعدة في سيناء (في منطقة جبل الحلال) بالتعاون مع أطراف فلسطينية في غزة من "جيش الاسلام" تتبني نفس الفكر القاعدي .
والجهة (الثاني) المتهمة هم الخارجون على القانون من قبائل سيناء الذين أعتاد بعضهم مهاجمة الشرطة في سيناء في ظل الثأر القديم بين الطرفين منذ قيام الشرطة بأعمال قهر واعتقال وتعذيب لأهالي سيناء عقب تفجيرات طابا وشرم الشيخ والغردقة ، أو من الغاضبين لاستمرار اعتقال أبناءهم في عهد النظام السابق ، بدليل أن محافظ شمال سيناء قال عقب الهجوم أنه تم الاستجابة لمطالب بعض القبائل البدوية بشأن إسقاط الأحكام الغيابية الجنائية عن 252 متهما ، كما أنه تم تكليف قبائل بحماية خط الغاز الذي يتعرض للتفجير باستمرار .
أما (الفريق الثالث) المتهم فهم غالبا عملاء من سيناء وفلسطين يقيم بعضهم في سيناء بطرق غير مشروعة ، وهؤلاء غالبا عصبة من أعضاء الأمن التابعين لمحمد دحلان رئيس المخابرات السابق ومستشار الرئيس أبو مازن ، الذين هربوا معه الي مصر بعد سيطرة حماس علي غزة ، ولا يزال بعضهم مقيم في العريش ينتظر العودة لأن مصر لم تسمح لهم بدخول القاهرة وبعضهم راجت شبهات حول صلتهم بإسرائيل وصلتهم بأمريكا، والذين فرطوا في مهامهم الأمنية خلال التطورات الأخيرة في غزة، وفي مقدمة هؤلاء مستشار رئيس السلطة الأمني محمد دحلان الذي هرب إلي القاهرة فور انفراد حماس بالحكم في القطاع، وأقام بالشقة التي يملكها هنا (في مصر) .
من الجاني ؟
والحقيقة أن مقارنة الأدلة التي تم جمعها بالجهات المحتمل تورطها ، يشير لأن التهمة تكاد تنحصر في الفريق الأول والثالث بدرجة أكبر ، واستبعاد احتمال تورط الخارجين عن القانون في سيناء أو اسر المعتقلين لأن طبيعة الهجوم وحجمه ومشاركة قبائل سيناء في دعم الشرطة والجيش للجم المهاجمين يشير لضعف هذا الاحتمال .
ولو عدنا لاحتمال تورط الجماعات الجهادية القريبة من تنظيم القاعدة في سيناء بالتعاون مع أطراف فلسطينية في غزة من "جيش الاسلام ، خصوصا أنهم رفعوا رايات سوداء وهتفوا هتافات اسلامية ، قد يبدو أنهم الطرف المتهم .
لأن شهود العيان قالوا أنهم كانوا يرفعون رايات سوداء، كتب عليها «لا إله إلا الله»، ومعهم سيارات أخرى بيضاء دون لوحات معدنية مكتوب عليها «نعم.. سيناء إمارة إسلامية»، وأن بعضهم رفع لافتات تطالب بالإفراج عن أسامة النخلاوى ومحمد جايز ويونس السواركة ومحمد رباع، وهم المتهمون فى تفجيرات طابا من أعضاء تنظيم التوحيد والجهاد، الذى سبق أن دخل فى مواجهات ضخمة مع الشرطة فى سيناء .
بيد أن السؤال هنا هو : هل من المنطقي والمعقول أن تكون الجماعات السلفية والجماعة الاسلامية يحتفلون في كل مدن مصر بمليونية الارادة الشعبية والاستقرار وتشكو الجماعات العلمانية والليبرالية من هيمنتهم علي ميدان التحرير ويفكر منتمون لهذا التيار السلفي (الجهادي) في هذه العملية الضخمة لخلخلة الأمن في العريش ؟ ثم ما هو هدفهم من وراء ذلك ؟! .
نعم هناك فارق كبير بين السلفيين المعتدلين الذين لا يؤمنون بالعنف ويتلخص نشاطهم في الدعوة الاسلامية ، وبين الجهاديين الذين يتبنون الفكر القاعدي القتالي والعنف ، ولكن تغير الاجواء بعد الثورة ورفع القيود عن الاسلاميين عموما بل وإطلاق سراح سجناء اسلاميين يثير شكوك حول قيام هؤلاء القاعديين بهذا الهجوم الشرس بهذا العنف المبالغ فيه والذي كان يستهدف احتلال قسم الشرطة وما حوله من مباني رسمية وقتل المحافظ بدون هدف واضح !.
وقد استبعد اللواء عادل سليمان الخبير الاستراتيجي ورئيس المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية تورط تنظيمات إسلامية نائمة في سيناء، لأن الساحة المصرية الآن أصبحت متاحة لجميع التيارات الإسلامية والحزبية للمشاركة في العمل السياسي والاجتماعي ، ما يبعد احتمالية رجوع بعض هذه التنظيمات لحل حمل السلاح في وجه المجتمع والحكومة ووقوف عناصر أجنبية وراء هذه الواقعة .
فما يثير الشكوك حول هذا الاحتمال هو أن المواجهات بين الاسلاميين والشرطة أنتهت بعد ثورة 25 يناير ، وأصبح الجميع يشارك في المظاهرات بل ويدعم الجيش والشرطة ضد محاولات العلمانيين والليبراليين الوقعية بين الجيش والشرطة من جهة والشعب من الجهة الأخري !.
ايضا لماذا الحرص علي إرتداء المهاجمين اللثام وعدم إظهار الوجه ، بل ومهاجمة بعض الشباب الذين حاولوا تصويرهم والاعتداء عليهم ؟ ثم كيف يقال أنهم من الجهاديين المصريين والتكفير والهجرة برغم أن نسبة كبيرة من الذين جري اعتقالهم هم من الفلسطينيين ؟ .
هنا نأتي للاحتمال الأخير الذي يتوافق أكثر مع أهداف هذا الهجوم التي تتخلص في إحداث خلخلة كبيرة في الامن في العريش وسيناء واستمرار الفوضي هناك بما يضعف مصر وهو العنصر الخارجي .. فأهداف هذا الهجوم كانت اوسع من مجرد التظاهر أو استعراض القوة ولا حتي مجرد إطلاق النار والترهيب .. وإنما كانت توجيه ضربة قوية للجيش والشرطة معا في العريش حاضنة سيناء وخلخلة الأمن في المنطقة بدليل استخدام مدافع وقذائف وحشد قوات ضخمة لاقتحام قسم الشرطة واستمرار الهجوم 9 ساعات وجلب عربات ذخائر احتياطية ، بل واغتيال المحافظ لاحقا .
فصاحب الهدف من هذه الفوضي هي اسرائيل ، والمنفذون غالبا مـأجورون وعملاء سواء مصريين أو فلسطينيين ، وقد يكونوا من أعوان مستشار السلطة الفلسطينية (محمد دحلان) الغاضبين علي مصر لأنها لم تسمح لهم بدخول القاهرة وسمحت لهم فقط بالبقاء في العريش ، والذين لهم علاقات أمنية واستخبارية سابقة وعميقة مع دولة الاحتلال !.
وهو إحتمال رجحه أيضا الخبير البترولي إبراهيم زهران الذي اتهم - فى اتصال هاتفي بالجزيرة مصر - الموساد الإسرائيلي بالمسئوليته عن حادث تفجير خط "بير عبده" فى شمال شبه جزيرة سيناء ، وألمح لتورط عناصر مسلحة من حركة فتح عبارة عن 2000 عنصر تابعين لمحمد دحلان المتواجدين فى شمال سيناء والذين يتعاملون مع الموساد وينفذون أوامرهم.
أيضا لا ننسي أن د. هيجا ياو مجارتن خبيرة التخطيط السياسي في الجامعات الإسرائيلية سبق أن قالت أن "دحلان مكلف من وكالة المخابرات المركزية وأجهزة أمريكية أخرى بتنفيذ مهمة محددة " .
وهنا تبرز أهمية إعلان الحاكم العسكرى بالعريش على التليفزيون المصرى أن ملثمين تابعين لحركة فتح جناح محمد دحلان وراء أحداث العريش .. فبرغم نفى محمد دحلان أية عَلاقه له بأحداث العريش واتهامه حماس بأنها تقف وراءها ، إلا أن صدور هذه الاتهامات من مسئول كبير بالجيش المصري لا يمكن أن يصدر اعتباطا ، ويشير لأن هذا المسئول لديه أدلة واضحة علي تورط انصار دحلان ، لأن الجيش المصري لم يعتاد علي إصدار تصريحات أو معلومات غير مؤكده .
أما لو ثبت هذا الاتهام فهنا يثور التساؤل : هل ينفذ "دحلان" بواسطة رجاله في العريش خطة اسرائيلية لنشر الفوضي في سيناء ؟! وهل رفع الرايات السوداء والهتافات الاسلامية وتحطيم تمثال السادات والحديث عن "إمارة اسلامية في سيناء" جزء من خطة التمويه الصهيونية بدليل : الاصرار علي وضع اللثام لعدم معرفة هويتهم / وأنهم مدربين تدريبا قتاليا عاليا جدا وتحركاتهم كانت سريعة / وبدليل أن صاحب الهدف الحقيقي من هذه الفوضي في سيناء هو تل ابيب !؟
قد يقال وما هي مصلحة اسرائيل من هذه الخلخلة الخطيرة للامن في سيناء حتي نتهمها بأنها حركت عملاءها سواء المصريين أو من قوات دحلان في سيناء لتنفيذ هجوم العريش الأخير .. والجواب بإختصار نجده في تصريحات نتنياهو الأخيرة (يوليه الماضي) التي هدد فيها بإعادة احتلال سيناء بدعاوي أن مصر غير قادرة على السيطرة على الأمن في سيناء، وأن الكيان الصهيوني "مع كل الخيارات التي تحافظ على أمنه بما فيها إعادة احتلال سيناء" !؟.