بارك الله فيكى شهد موضوع يستحق الاحترام والتحيه
كثيرًا ما نشعر بالحزن والأسى لما تطالعنا به الأخبار عن ما يعانيه المسلمون في دول الغرب من إيذاء وتعصب وتربص يومي يقضّ مضاجع المسلمين ويفقدهم أدنى حقوقهم "الإنسانية" من استشعار الأمن على ذويهم وممتلكاتهم، بل -ويا للأسف- وصل التهديد والإيذاء في كثير من الأحيان إلى دور العبادة التي لم تسلم من التخريب في بعض الأماكن بالحرق تارة، وبالرسوم المهينة وإلقاء القاذورات تارة أخرى!!
ولقد تكررت مظاهر هذا الإيذاء في غالب دول الغرب ولم تعد تقتصر على الأفراد بل تعدّتهم إلى بعض المؤسسات الحكومية والأحزاب الرسمية التي طالب بعضها بطرد المسلمين وإعادتهم إلى بلدانهم، ثم تطور الأمر إلى إهانة مقدسات المسلمين والتعرض لها بالتجريح والإساءة.
كل ذلك وغيره من الأمور، يعكس تنامي المشاعر السلبية تجاه الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية، ثم ترجمة هذه المشاعر في صورة سلوكيات مجحفة بحقوق الأطراف المسلمة.
ويومًا بعد يوم ترسخت هذه المشاعر وتجذّرت في الوجدان الغربي فيما صار يُعرف بالخوف المرضي من الإسلام في الغرب، أو "الإسلاموفوبيا".
كلمة "إسلاموفوبيا" المنقولة عن اللغات الأجنبية هكذا بلفظها اللاتيني مكتوبًا بحروف عربية، تنطوي على معنى أنها ظاهرة مرضية، فهو خوف مرضي من الإسلام، لا يوجد ما يسوّغه منطقيًّا، ولا يقتصر على حالات انفرادية، بل يعمّ وينتشر، فهو أشبه بالوباء، مع فارقٍ أساسي أنّ الوباء ينتشر "رغمًا" عن الإنسان الذي يسعى لمكافحته، فإن لم يتراجع يضاعف الإنسان السوي جهوده ويبتكر المزيد من وسائل المكافحة.
أما الخوف المرضي من الإسلام، فلم يعد مجرّد خوف تلقائي لأسباب ما، بل أصبح في هذه الأثناء يُصنع صنعًا، أي أصبح ناتجَ عمليةِ تخويف؛ ليُستخدم أداة من أجل تحقيق أغراض محددة. وهنا تجد هذه "الأداة" من يركّز عليها استغلالاً لها لتحقيق أغراضه، فإن رصد ضعفًا ذاتيًّا في مفعول الظاهرة، بذل الجهد بنفسه لزيادة مفعولها، أي لمضاعفة حدّة الجانب المرضي فيها، وهو يزعم أنه يشكو منها ويريد مكافحتها.
وللأسف نجد هذا الأمر في أوربا اليوم من خلال ما يطلقونه من مصطلحات تسبب النفور والقلاقل بين الناس، لا سيّما مصطلح "الإسلاموفوبيا" الذي يُعرّف الإسلام على أنه دين إرهابي دموي، فهو الخطر الأخضر القادم -كما يزعم بعضهم-!!
هنا لا مفر من طرح هذا التساؤل: لماذا ينظر الغرب هذه النظرة للإسلام؟
وعلى ضوء الإجابة عن هذا السؤال يمكننا التفكير في سُبُل إيجابية وفعَّالة لعلاج ناجع لهذه الظاهرة المتنامية. ولقد وجدنا بعد بحث متعمق أن هذه النظرة الغربية المتوجسة من الإسلام تعود إلى العديد من النقاط التي يمكننا حصر أهمها فيما يلي[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: أولاً: مسألة عقدية.. خاصة مع الصحوة الدينية
إذ كما يجب على المسلم بحكم عقيدته أن يذب عن دينه ويدفع عنه أي خطر محتمل، كذلك المسيحي يرصد بعين القلق الصحوة الإسلامية العارمة التي تجتاح العالم الإسلامي، ويخشى أن يأتي اليوم الذي تتهدده هذه الصحوة، وقد حذّر السير ألفريد شيرمان -المستشار السابق لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر- في تصريح لجريدة الهيرالد تريبيون إنترناشيونال، في 9 فبراير 1993م، من التهديد الإسلامي للغرب، في مقالة بعنوان "الزحف الإسلامي الجديد على أوربا" قائلاً:
"يوجد تهديد إسلامي حيال أوربا المسيحية، هذا التهديد يتطور ببطء وما زال قابلاً للمراقبة، لكن سياسات البلدان الغربية هي المسئولة عن تصاعده نتيجة الشروط الملائمة التي توفرها وتساعده على اتساعه، فالاستعمار المتدرج لأوربا الوسطى والغربية من جانب المسلمين ناتج عن الحيرة الاجتماعية والروحية السائدة في أوربا، وانهيار القيم المسيحية والغربية".
ثانيًا: انهيار الاتحاد السوفيتي:
إن انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991م، الذي يعد بمنزلة الإعلان عن الفوز الساحق لمعسكر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، جعل الغرب يبحث عن بديل جديد يعاديه؛ وقد تواترت التصريحات الغربية عن اختيار الإسلام كعدو جديد بديل عن الخطر الشيوعي الذي طالما حشدوا طاقاتهم لمواجهته، ونذكر على سبيل المثال تصريح ويلي كلايس -الأمين العام السابق للحلف الأطلسي- لصحيفة الإندبندنت البريطانية:
"إن الخطر الذي يشكله الإسلاميون هو أهم التحديات التي تواجه الغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وزوال خطر الشيوعية".
ثالثًا: أصحاب المصالح:
كما أن بعض الكيانات العسكرية -بما يخصص لها من اعتمادات مالية فلكية- لن تجد مبررًا لوجودها إلا في وجود قوة معادية، ومن هذه الكيانات حلف شمال الأطلسي، وكذلك الجيش الأمريكي وترسانته العملاقة، التي تستقطع مئات المليارات من الدولارات كل عام من الخزانة الأمريكية؛ فقد بلغت مخصصات وزارة الدفاع الأمريكية في ميزانية عام 2010م، 663.8 مليار دولار[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]!! رابعًا: التفاوت الكبير في المستوى الاقتصادي:
تكفي مجرد نظرة على التقارير السنوية التي ترصد حالة الاقتصاد في العالم لاكتشاف ذلك التباين الرهيب والتفاوت الواضح في القدرات الاقتصادية بين الدول الأوربية والغربية وبين دول العالم الإسلامي بشكل عام.
ومن واقع البيانات الواردة في تقرير التنمية البشرية في العالم عام 2009م وجدنا ما يلي:
نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في النرويج بلغ 82.5 ألف دولار، وفي أيرلندا بلغ 59 ألف دولار، وفي الدنمارك 57 ألف دولار، وفي السويد 50 ألف دولار، وفي هولندا 47 ألف دولار، وفي فرنسا 42 ألف دولار، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 45 ألف دولار، وفي كندا 40 ألف دولار، وفي إسبانيا بلغ 32 ألف دولار.
بينما في اليمن بلغ ألف دولار، وفي السودان 1.1 ألف دولار، وفي مصر 1.7 ألف دولار، وفي نيجيريا 1.8 ألف دولار، وفي أوزبكستان 830 دولار، وفي بنجلاديش 431 دولار، وفي جيبوتي 997 دولار، وفي توجو 380 دولار، وفي النيجر 294 دولار فقط!!
خامسًا: الأنظمة الديكتاتورية في العالم الإسلامي:
حيث تأتي دول العالم الإسلامي في ذيل دول العالم من حيث تطبيق المبادئ الديمقراطية واحترام الحريات العامة؛ إذ تحكم الغالب الأعم من دول العالم الإسلامي النظم الديكتاتورية، وتخضع لحكم الفرد، بما يجعل هذه الدول وكامل مقدّراتها ملك يمين الحاكم يوجهها كيف يشاء.
فإذا أراد السلام فهو السلام، وإذا أراد الحرب تكن الحرب؛ إذ إن المجموعات المعاونة له يتم اختيارها بعناية لتكون أدوات لتنفيذ رغباته ونزواته.
وهذا مبعث لخوف الغرب المتقدم بشكل عام من إمكانية تولّي السلطة في هذه البلاد أحد الحكام الجانحين، أو الراغبين في الزعامة، فيعلن الحرب على جيرانه لأي سبب تافه، بما يهدد السلام في العالم كله.
سادسًا: ظهور النزعات المتطرفة:
حيث ظهرت في العقود الأخيرة كرد فعل للعديد من المظالم التي ارتكبها الاستعمار، ونال نصيب الأسد منها العالم الإسلامي بعض الدعوات الاستئصالية المتطرفة التي تنادي بتدمير العالم الغربي حفاظًا على الإسلام، فنجدها تجهر بالدعاء عليه بالهلاك، هكذا دون التفرقة بين المحاربين والمدنيين، وبين المنتفعين والمتربحين من نهب ثروات الدول الضعيفة في العالم، وآخرين مغيبين تحت وطأة إعلام يصم الآذان ويقلب الحقائق ويصف أبناء العالم الإسلامي بأشنع الصفات ويصورهم كمجموعة بدائية من الهمج الأشرار.
وبالطبع نجد أصحاب المصالح يتلقفون هذه الدعوات المتطرفة -حتى وإن كانت صادرة عن فرد واحد أو مجموعة هزيلة- ويعملون على تضخيمها ويبرزونها إعلاميًّا.
فنجد تصريحات متواترة هذه من مسئول التنظيم في بلاد الشام، وتلك منسوبة لزعيم تنظيم آخر في بلاد المغرب العربي، وأخرى على لسان "أمير" الجماعة في شرق أوربا. وهكذا باستمرار حتى يتسرب الفزع إلى قلوب كل أسرة غربية من الخطر القادم من العالم الإسلامي لسحقهم، فيسارعوا بالارتماء في أحضان حكوماتهم ليفوضوها بالتصدي لهذا الخطر الداهم!
سابعًا: ارتفاع معدلات الهجرة إلى الغرب:
كذلك أصبح ارتفاع معدلات الهجرة إلى دول العالم الغربي -خاصة من الدول الإسلامية- يشكل هاجسًا لدى العديد من مؤسسات صنع القرار في الغرب، وتعددت الدراسات التي ترصد هذه الظاهرة وتنبه من "خطورتها" على التركيبة السكانية خاصة في أوربا.
فقد ذكرت دراسة أجرتها صحيفة الصانداي تليجراف البريطانية أن المسلمين شكلوا في عام 2008م نسبة 5 % من سكان دول الاتحاد الأوربي الـ 27، وأضافت الدراسة أن ارتفاع معدلات المهاجرين من الدول الإسلامية وتدنى معدلات المواليد بين الأوربيين سيجعل هذه النسبة تقفز إلى 20% مع حلول عام 2050م.
كما رصد مركز "بيو" الأمريكي المتخصص في أبحاث الدين والسكان في العالم أن الإسلام هو الدين الأسرع نموًّا في أوربا؛ حيث تضاعف عدد المسلمين في القارة الأوربية ثلاث مرات خلال السنوات الـ 30 الماضية، وأرجع المركز ذلك إلى ارتفاع معدلات الهجرة، إضافة إلى زيادة أعداد المواليد في الأسر المسلمة المهاجرة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ثامنًا: النمو السكاني في العالم الإسلامي:
فقد بلغ عدد المسلمين في العالم 1.57 مليار نسمة في عام 2009م، بما يقارب ربع سكان العالم.
وتفيد الدراسات المتكررة أن الإسلام هو الدين الذي يحقق أكبر نمو سكاني في العالم مقارنة بأي من الأديان أو التيارات العقائدية الكبرى، وذلك بعد أن كان الإسلام يحتل المرتبة الأخيرة على العالم من حيث عدد الأتباع بين الديانات والعقائد الأخرى في عام 1980م.
تاسعًا: تاريخ العداء القديم بين الغرب والإسلام:
فالغرب لا يستطيع أن ينسى تاريخه الدامي مع المسلمين، وكذلك لا يمكننا أن نعتب على المسلمين مشاعر التوجس والارتياب من أي تحرك أوربي تجاه العالم الإسلامي.
ويمكننا أن نستشف هذا العداء التاريخي للمسلمين من خلال أقوال الساسة وصناع القرار في الغرب؛ حيث يتبنى معظمهم فكرة الصدام المرتقب مع العالم الإسلامي، هذه الفكرة التي أصبحت إحدى النقاط المركزية في استقراء تحولات ما بعد الحرب الباردة.
ومن أمثلة هذه التصريحات الكاشفة مقولة ريتشارد نيكسون -وزير الخارجية الأمريكي السابق-:
"إن بعض المراقبين ينبهون إلى أن عالم الإسلام سوف يتحول إلى قوة جيو سياسية موحدة ومتعصبة، وأنه بعدد سكانه المتزايد وقوته المالية الكبيرة سوف يشكل تحديًّا كبيرًا، وأن الغرب سوف يضطر إلى عقد تحالف جديد مع موسكو لمواجهة عالم إسلامي خصم عدواني"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. عاشرًا: اعتماد الحضارة الغربية على موارد العالم الإسلامي:
ونختم تحليلنا لأسباب ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام بنقطة غاية في الأهمية وهي الكميات الهائلة من الكنوز والثروات -لا سيما البترول- التي يمتلكها العالم الإسلامي، والتي تُعَدُّ من أهم مصادر الطاقة والمواد الخام التي تقوم عليها الطفرة الصناعية في العالم الغربي.
ونذكر هنا واقعة التهديد العربي بوقف تصدير النفط إلى الدول المؤيدة للكيان الصهيوني في حرب 1973م، بما شكَّل تهديدًا استراتيجيًّا حقيقيًّا لمصالح الغرب، ونتج عنها إحساس معادٍ للمسلمين من الدول الغربية؛ حيث نظرت للأمر كنوع من الابتزاز والتهديد، ولم تبحث كثيرًا وراء الأسباب الحقيقية والمشروعة التي دفعت العرب والمسلمين لاتخاذ هذا الموقف كمحاولة للدفاع عن أنفسهم.
وإذا ظل -وتزايد- الاحتياج الغربي للموارد الإسلامية كعنصر أساسي لاستمرار النهضة الأوربية والغربية، سيظل هاجس تأمين هذه الموارد واحتكارها وضمان تدفقها هاجسًا ملحًّا في عقل الشعوب الغربية.
والآن.. وبعد أن حاولنا التعرّف على الأسباب الحقيقية وراء هذا الشعور الغربي "المتنامي" بالعداء لكل ما هو إسلامي، ماذا وجب علينا أن نفعل لمواجهة هذه الظاهرة التي باتت تعرف بالإسلاموفوبيا؟
حقيقةً وبعد التفكير بعمق في هذه الأسباب وجدنا أنها جميعًا تعود في جوهرها إلى حالة الضعف والهوان التي تعيشها الأمة الإسلامية على كل المستويات. ودعونا نتخيل الوضع في حالة أن الأمة الإسلامية تعيش في عصر نهضتها..
فمن ذا الذي يستطيع أن يُنكر عليها تمسّكها بدينها؟ أليس من أبسط حقوقها أن تمارس شعائر دينها وتطبق أحكامه وفق ما توجبه عقيدتها؟
كذلك في حال امتلاك الأمة الإسلامية للقوة العسكرية الكافية لردع أعدائها، لما وجدنا من يطمح أو حتى يُفكر في السيطرة على مقدراتها واستغلال ثرواتها.
الحل -إذن- ينبع من داخلنا نحن.. من داخل العالم الإسلامي، حينما يقرر أبناؤه وداع هذه المرحلة المظلمة من تاريخه، والقيام والنهوض من جديد لبناء خير أمة.
أيضًا ستنتهي الإسلاموفوبيا حين يستطيع العالم الإسلامي انتزاع حقوقه المسلوبة وتحرير أراضيه المغتصبة. ومن ثَم يعترف به العالم الغربي كقوة موجودة وكأمر واقع، ويصبح جُل اهتمامه التفكير في كيفيه التعايش مع هذه الأمة، وليس في كيفية استنزافها واضطهاد أبنائها.
كذلك ستنتهي هذه المشاعر السلبية تجاه المسلمين عندما يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بركب التقدم العلمي والاقتصادي، فيفتح مجالات للعمل أمام أبنائه، ويستطيع الاستفادة من طاقاتهم المهدرة عن طريق هجرتهم إلى خارج العالم الإسلامي.
وأخيرًا سيساهم الإصلاح السياسي في عالمنا الإسلامي في علاج هذه الظاهرة، وذلك عندما يستطيع أن يضرب المثل والنموذج في تطبيق ما أمر به الإسلام من نظام سياسي يقوم على الشورى والعدل والمساواة والتكافل... وغير ذلك من التعاليم الإسلامية الراقية التي يحتاجها الغرب، ولكنه -للأسف- لا يراها بسبب حالة التأخر التي يعاني منها العالم الإسلامي.
فلنجعلها -إذن- دعوة للعمل والجد والاجتهاد لكل مسلم، ويومًا بعد يوم سننجح -بإذن الله- في إثبات مكانتنا بين دول عالمنا المعاصر، كما نجح آباؤنا في انتزاع الاحترام والتقدير -فضلاً عن الحقوق- في الماضي.