فيما أمر الدكتور زاهي حواس بتشكيل لجنة لجرد محتويات القصور الرئاسية وقيام نيابة أمن الدولة العليا بتحقيقات موسعة في أكبر قضية لتهريب الآثار تكشف »الوفد الأسبوعي« للرأي العام وبالمستندات البطل الحقيقي لمسلسل نهب آثار مصر وتهريبها الي الخارج عبر القصور الرئاسية.
والبطل هنا ليس غريباً ولا مجهولاً بل معروفاً للجميع ولكنه ظل طيلة السنوات الماضية محمياً بمنصبه كرئيس لديوان رئيس الجمهورية والصديق المقرب جداً للرئيس المخلوع والقائد الخفي لمصر في عهد مبارك هو زكريا عزمي الذي نجح وبقدرة قادر وبمعاونة فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق في تهريب وبيع عشرات القطع الاثرية النادرة دون أدني اكتراث بتاريخ مصر »المنهوبة« وتكشف مستندات بحوزة »الوفد« ان هامان مصر باع ثروة مصرية نادرة لامراء »الدول العربية« والمزادات الامريكية والاوروبية وعبر أساليب وطرق لا يعرف دهاليزها سواه وتتمثل هذه الثروة الضائعة الآن في 139 قطعة أثرية نادرة تشمل تحفا ولوحات وتماثيل وأبوابا خشبية ومخطوطات اسلامية ترجع الي العهد العثماني وعصر الخديو اسماعيل تم ضبطها قبل تهريبها في ميناء قناة السويس وحرر بشأنها محضر في العين السخنة ولكنها فجأة اختفت من مخزن أطفيح »الفرعوني« وهي في طريقها الي رئاسة الجمهورية بأمر من زكريا عزمي. فما حكاية »هامان« مع آثار مصر.. وبأي حق يصدر أوامره الي رئاسة الجمهورية إلا اذا كانت له مصلحة مباشرة في اعادة تهريب هذه الآثار وسيرها مرة أخري الي مطار دبي »الجهة المخطط لها مسبقاً« تمهيداً لتوزيعها علي أمراء الدول العربية وعرضها للبيع في المزادات العالمية وما قصة الفيلا رقم (148) بشارع النيل بالعجوزة؟ ولماذا حصل المتهمون علي البراءة دون سؤالهم أو التحقيق معهم.
وهل لهذه الدرجة أصبح تاريخ مصر وآثارها لعبة سهلة في يد »عزمي« وأعوانه فقد ثبت ان قصور رئاسة الجمهورية ما هي إلا ستار تجري خلفه أبشع جريمة في حق الوطن ومجرد تسديد خانة يجني من خلفها عزمي وشلته في النظام السابق الملايين.
فبينما كان فقراء مصر يبحثون عن أي وسيلة لتحسين دخولهم وتدبير بضعة جنيهات قليلة لمواجهة الحياة لم يكتف زكريا عزمي وعصابته بما نهبوه من قصور وأراض وفيلات وسيارات بل تجاوز ذلك الي آثار مصر وبيع تاريخها برخص التراب.
وكانت قضية عين السخنة عام 2006 والتي تم خلالها ضبط نحو 139 قطعة أثرية تم تسليمها لرئاسة الجمهورية أكبر دليل علي هذه العصابة وحافزاً قوياً دفع نور عبدالصمد مدير عام ادارة المواقع الاثرية والدكتور عبدالرحمن العابدي المشرف علي آثار مصر الوسطي الي تقديم بلاغ للنائب العام ضد كل من زكريا عزمي وفاروق حسني أكدا فيه ان تسليم المضبوطات الاثرية التي فحصتها لجنة من المجلس الاعلي للاثار وأودعتها مخزن (الفسطاط) قبل نقلها الي مخزن (أطفيح) الفرعوني يحيطه العديد من الشكوك ومخالفة صريحة لقوانين ولوائح قانون حماية الآثار.
وحسب البلاغ الذي حمل رقم (4438) وبتاريخ 14 مارس 2011 مدعوماً بكافة المستندات تشير أوراق القضية التي حصلت »الوفد« علي النسخة بعد تفاصيلها انه في يوم أول يوليو 2006 وبناء علي قرار النيابة العامة رقم (3) أحوال العين السخنة تم تشكيل لجنة من الاثار برئاسة حسن رسمي وعضوية ستة آخرين من الاثريين لفحص مضبوطات أثرية كانت في طريقها الي دبي بعد أن حاول ثلاثة سائقين تهريبها عبر حاويات إحدي شركات التصدير والاستيراد.
وفي يوم 2006/7/6 اجتمعت اللجنة المشكلة لمعاينة المضبوطات التي تضمنتها الشهادة الجمركية 2006/959 في مقر ميناء العين السخنة بالسويس وكانت تضم حسن رسمي رئيس اللجنة ومدير عام المنافذ الاثرية وأحمد الراوي مدير ادارة المنافذ الاثرية وابراهيم السيد عبداللطيف مدير عام متحف الشرطة ومصطفي عبدالعظيم عبدالغني مدير عام متحف الجوهرة وماجدة يوسف محمد علي أمين من متحف الفن الاسلامي وعبدالفتاح عبدالفضيل مفتش الاثار الاسلامية والعضو القانوني أحمد حسنين محمد والمصور المعتمد (كيرلس برسوم).
وجاء في التقرير النهائي للجنة انها أنهت أعمالها خلال الفترة من 2006/7/3 وفي 2007/6/6 وقامت بفحص أربعة كونتيتنرات من الحجم الكبير ومعاينة ما بداخلها علي الطبيعة ورأت اللجنة بعد الفحص الدقيق تقسيم ما تم فحصه الي ثلاث مجموعات رئيسية.. الاولي كانت لقطع اسلامية أثرية تخضع لقانون حماية الاثار رقم »113« لسنة 1983 وقد تم اعداد كشف بتسع قطع أما المجموعة الثانية تمثل مجموعة القطع والعناصر التاريخية التي تم تجميعها من قصور الامراء وتخضع أيضاً للقانون »113« وقد تم اعداد كشوف مرفقة خاصة بها بعدد 130 قطعة، أما المجموعة الثالثة فتمثل باقي محتويات الشهادة الجمركية وهي عبارة عن مقتنيات شخصية وأثاث منزلي وهي لا تخضع لقانون الاثار ولم تسجلها اللجنة في تقريرها وتركتها في حيازة مسئولي جمرك العين السخنة.
وأوضح المحضر رقم (3) أحوال العين السخنة ان اللجنة قامت بعد المعاينة بتجيمع محتويات المجموعتين الاولي والثانية داخل ثلاث حاويات بأرقام مسجلة الاولي تمثل الكونتير رقم »487751/1« وسجلت بالسجل رقم »3387« والثانية تمثل الكونتير رقم »606392/9« وسجلت بالسجل رقم »3245« أما الحاوية الثالثة فتمثل الكونتير رقم »432163/0« وسجلت في السجل رقم (3364).
روعة المضبوطات وندرتها
وكان من بين القطع الاثرية التي تضمنتها المضبوطات باب أثري من الخشب عليه زخارف نباتية وهندسية وكتابات يرجع تاريخها الي عام 1342 هجري وباب آخر عليه كتابة بخط الثلث وزخارف بنائية اضافة الي لوحة برسم اليد من كتاب »وصف مصر« داخل برواز من الخشب ومن المضبوطات أيضاً طبق من الخزف يرتكز علي قاعدة وعلي جسمه آية قرآنية وزجاجة يرجع تاريخها الي القرن التاسع عشر من العصر العثماني لها غطاء من الزجاج الازرق الشفاف عليها زخارف نباتية وصورة لبعض الجنود يرجع تاريخها الي 1899م ولوحة برسم اليد داخل برواز من الخشب من كتاب »وصف مصر« أيضاً تمثل أحد الاشخاص برياض الشوبك ممسكاً بلجام الفرس واللوحة يرجع تاريخها الي عام 1899م وموقعة من الفنان (ج. اسبيرون) وتضمنت المضبوطات إبريقاً من النحاس كبير الحجم له غطاء وعليه بعض الكتابات ودولابا من الخشب يرجع تاريخه للعصر العثماني وآخر فضي من نفس العصر عليه زخارف اسلامية وبرواز من الخشب المذهب له إطار من أعلي محاطا بزخارف نباتية وأباجورة من الخشب المذهب ذات قاعدة مستديرة وبوفيها من الخشب له حليات من المعدن بجوانبه حليات أخري تمثل وجوه آدامية تنتهي بشكل فرع نباتي. وشملت المضبوطات أيضاً تمثالاً من الرخام يحمل التأثيرات الاسلامية والساسانية وهو عبارة عن حيوان مجنح رأسه من الخلف وعليه زخارف بالحفر وتمثالاً آخر من الرخام لطائر واقف عليه زخارف بالحفر البارز والغائر وتمثالا لاسد رابض رافع رأسه الي أعلي بجانب آلة عزف عليها زخارف نباتية وتنتهي برأس حيوان ماعز ونجفة من النحاس وغيرها من المضبوطات النادرة والاثرية.
وجاء في أوراق القضية ان المتهمين هم ثلاثة سائقين شرعوا في تهريب القطع الاثرية وهي 9 قطع ترجع للعصر الاسلامي و130 قطعة تم تجميعها من قصور الامراء من خلال احدي الشركات للاستيراد والتصدير وذلك في الرسالة الجمركية رقم »959« لسنة 2006 وهي عبارة عن أربع حاويات حيث قاموا بإبقاء القطع الاثرية داخلها دون علم من مالك الشركة وهو ما أكده السائقون حيث تم نقل القطع الاثرية من الفيلا رقم (148) الكائنة بشارع النيل بالجيزة وذلك تمهيداً لتهريبها خارج البلاد.
والغريب هنا وحسب ما جاء في أوراق القضية ان التحريات السرية لم تتوصل الي علم مالك الفيلا بالواقعة ولم تتوصل الي مصدر تلك القطع وجاء أيضاً ان المتهمين لم يسألوا أمام النيابة العامة وسماع الاقوال وهو ما يثير الشك فكيف يحال متهم الي المحاكم دون عرضه علي النيابة العامة وسماع أقواله وكيف يمكن أن تصدر النيابة العامة قراراً بتشكيل لجنة من المجلس الاعلي للاثار لمعاينة القطع المضبوطة إلا اذا سمعت كلام المتهمين والغريب أيضاً ان محكمة الاسماعيلية قضت ببراءة السائقين الثلاثة لعدم وجود ادانة لهم وأكدوا ما هم إلا خدم لاصحاب الفيلا المجهولين الذين عجزت شرطة الاثار والسياحة عن العثور عليهم مما يؤكد الشكوك بوجود شبهة سرقات.
وبناء علي كل ما سبق أرسلت نبيلة حبيب مدير عام المتاحف التاريخية مذكرة الي محمد عبدالفتاح رئيس قطاع المتاحف طلبت فيها الموافقة علي تسليم هذه المقتنيات ونقلها الي متحف الجوهرة بالقعلة بدلاً من مخزن تفتيش الاثار الاسلامية والقبطية لعدد من الاسباب أولها ان معظم هذه المقتنيات طبقاً للكشوف المرفقة ترجع الي عصر الخديو اسماعيل وهي مؤرخة خلال فترات حكمه ما بين (1863 و1879) وأن الخديو اسماعيل أقام بقصر الجوهرة عند توليه وتسلم مقاليد الامور وتم حفل تنصيبه بقصر السلاملك بالقلعة والمعروف بقصر »الجوهرة« اضافة الي أن هذه المقتنيات ملكية وتليق بقصر الجوهرة ومعظمها يخص متحف ركن حلوان والذي تقدم صندوق التنمية الثقافية بطلب تطويره وتم مخاطبة متحف قصر الجوهرة بناء علي ذلك لحصر عهدة متحف ركن حلوان تمهيداً لاعادتها وشددت حبيب علي أهمية تسليم مقتنيات ومحتويات الشهادة الجمركية رقم (959 لسنة 2006) الي قصر الجوهرة ليتم عرضها هناك بدلاً من مقتنيات القصر التي احترقت في 1972/6/11.
ووفقاً لما طالبت به مدير عام المتاحف التاريخية أصدر الدكتور زاهي حواس الامين العام للمجلس الاعلي للاثار سابقاً القرار رقم (2037) في 2007/7/24 متضمناً تشكيل لجنة برئاسة ابراهيم عبداللطيف مدير متحف الشرطة القومي وذلك لنقل المضبوطات من ميناء العين السخنة الي مخازن الفسطاط بناء علي الحكم الصادر من محكمة الفسطاط ورغم هذا القرار إلا أن الاثار لم تنقل الي مخازن الاثار بالفسطاط وانما نقلت كما أوضح البلاغ المقدم للنائب العام الي المخزن الاثري بأطفيح.
الغريب انه قبل اصدار زاهي حواس لقراره السابق صدر قرار لوزير الثقافة السابق فاروق حسني وهو القرار رقم (144) بتاريخ 2007/6/5 حيث قرر الوزير السابق تشكيل لجنة مشتركة لمعاينة المجموعة الثانية من المضبوطات التي تمثل مقتنيات القصور التي ضبطت عبر ميناء العين السخنة أثناء محاولة تصديرها الي امارة دبي بدولة الامارات العربية وتسليم ما يخص قصور الرئاسة الي رئاسة الجمهورية. وبناء علي ذلك القرار نقلت الاثار الي رئاسة الجمهورية ولا يعرف مصيرها حتي الآن.
يقول نور الدين عبدالصمد مدير عام ادارة المواقع الاثرية ومقدم البلاغ ان الاوراق التي بين أيدينا تؤكد ضبط مجموعة من القطع الاثرية التي ترجع للعصر العثماني بميناء السويس عام 2006 وقررت النيابة في المحضر رقم (3) أحوال العين السخنة عرض المضبوطات علي لجنة من الاثار برئاسة حسن رسمي وعضوية ستة آخرين وأكدت اللجنة ان جميع المضبوطات تخضع لقانون حماية الاثار ولكنها غير مسجلة بسجلات المجلس الاعلي للاثار وقسمت اللجنة المضبوطات الي ثلاث مجموعات أهمها كانت المجموعة الثانية التي تضمنت بعض الاثار الفريدة مثل باب من ضلفتين عليه زخارف نباتية وهندسية وكتابات يرجع تاريخها الي عام 1342 هجرية وباب آخر من ضلفتين عليه كتابة بالخط الثالث وطبق من الخزف يرتكز علي قاعدة وعلي جسمه آية قرآنية وغيره من التماثيل النادرة التي ترجع للعصر العثماني.
وأضاف »عبدالصمد« انه تم اتهام ثلاثة سائقين حيث أقروا في أقوالهم أمام المحكمة ولم يسألوا أمام النيابة انهم قاموا بنقل هذه الاثار من الفيلا رقم (148) شارع النيل بالجيزة وقضت المحكمة ببراءة السائقين لعدم علمهم بالمضبوطات وأصدر الدكتور زاهي حواس القرار رقم »3662« بتاريخ 2006/6/12 بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور محمود عباس مدير عام آثار العصر الحديث وعضوية آخرين لنقل الاثار من السويس الي أحد المخازن الخاصة بالاثار الاسلامية دون ذكر اسم المخزن ومكانه وعلي أثر ذلك خاطبت نبيلة حبيب مدير عام المتاحف التاريخية بمذكرة لقطاع المتاحف محمد عبدالفتاح تطلب الموافقة علي نقل الاثار الي قصر الجوهرة لاهميتها ورفض مدير قصر الجوهرة الاستلام نظراً لعدم وجود مكان بقصر الجوهرة يتسع لكل هذه المضبوطات وعليه أصدر الدكتور زاهي حواس قراراً آخر برقم (2037) في 2007/7/24 أي بعد عام كامل علي القرار الاول وتضمن القرار نقل الاثار الي مخزن الفسطاط التابع لقطاع الاثار الاسلامية.
وأشار »عبدالصمد« لاسباب غير معلومة تم نقل هذه الاثار شفوياً الي مخزن اثار بمدينة أطفيح التابع لقطاع الاثار الفرعونية وتم تسليمه لامينة المخزن المتخصصة في الاثار الفرعونية في سابقة فريدة في تاريخ الاثار وفي تلك الاثناء وتزامناً مع الغموض واللف والدوران حول هذه المجموعات الاثرية الفريدة كتب الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية خطاباً الي فاروق حسني بصفته رئيس المجلس الاعلي للاثار وخطاباً آخر للدكتور زاهي حواس الامين العام يأمران فيه بضرورة تسليم هذه الاثار الي موظفي قصور رئاسة الجمهورية وبالطبع وافق فاروق حسني وأصدر هو الآخر قراراً حمل رقم (476) في 2007/6/24 حيث قرر نقل هذه الاثار في صمت تام الي رئاسة الجمهورية بناء علي مذكرة زكريا عزمي وقامت لجنة من الاثار بالانتقال الي مخزن أطفيح وسلمت جميع الاثار الي موظف بقصور الرئاسة يدعي عبدالفتاح محمود ابراهيم في سابقة هي الاولي من نوعها في استلام موظف حاصل علي دبلوم تجارة للاثار بالمخالفة لقانون حماية الاثار برقم »117« لسنة 1983 المعدل بقانون رقم (3 لسنة 2010) والذي تتضمن مواده ان الاثار تخضع خضوعاً كاملاً لسلطات المجلس الاعلي للاثار ولا ولاية لأي جهة مهما كانت عليها. والغريب في الامر ان محاضر التسليم بين موظف رئاسة الجمهورية تضمنت تحويل الاثار من قطع أثرية الي (صنف) مثل السكر والشاي أو بعبارة أخري علي طريقة تجار المخدرات المحترفين في تصنيف بضاعتهم ودرجة جودتها وقد تمت عمليات التسليم والتسلم في شهر يونية 2008 وعلي مراحل متعددة.