والجمود التي تدب في مفاصلها وتجعلها تستمر في رفع شعار واحد فقط هو (السلام ومبادرة السلام) أمام الصلف الصهيوني والتحيز الأمريكي وهو ما الم له العربي نفسه في خطابه تتويجه عندما قال (أن العمل العربي المشترك يمر بأزمة ، وعلينا جميعا أن نتكاتف ، ونحقق طموحات الشعوب العربية) ، و(الثاني) أنه وليد أمين عام وليد حقبة أنتصارات جماهيرية عربية ، ولا نظام عربي جامد ، ما يجعل البيئة التي سوف يتحرك فيها بيئة مساعدة علي كسر هذا الجمود في الموقف العربي والانطلاق ليس فقط من وحدة الموقف السياسي العربي وإنما ، وهو الأهم ، تفعيل مؤسسات التضامن والتكامل العربي الحقيقية كالأسواق الموحدة والغاء التاشيرات بين الدول العربية وغيرها .
ولهذا قيل أن الجامعة العربية فازت بنبيل العربي وخسرته وزارة الخارجية المصرية، ولكن العزاء الوحيد هو أن د. نبيل العربي الذي فاز بالإجماع بمنصب الأمين العام للجامعة العربية ، ربما يقود عملية نقل تجربة الثورة والتغيير المصرية إلي الجامعة العربية فنشهد جامعة عربية مختلفة بهياكل جديدة ولها صوت مسموع في العالم .
فقبل أن تحدث المفاجأة ويصبح "العربي" هو الأمين العام السابع في تاريخ الجامعة منذ تأسيسها عام 1945 ، كانت هناك مخاوف صهيونية من الوزير العربي لأنه أول وزير خارجية مصري – منذ سنوات - يعيد القوة والاحترام للدبلوماسية المصرية ويفرض قوتها بعدما أطلق تحذيرات لتل ابيب من مهاجمة غزة ، وتحدث عن مخالفة ما تفعله تل ابيب في فلسطين مع اتفاقية كامب ديفيد ، ما جعل محللون صهاينة لاعتباره لاعبا صعبا في مواجهة اسرائيل ، ولهذا جاء تعيينه أمينا عاما للجامعة العربية بإجماع عربي بدلا من الدكتور الفقي ليزيد المخاوف الخارجية ليس فقط من الموقف المصري مستقبلا ولكن من الموقف العربي عموما ونفخ الروح في هذا الجسد العربي المتهالك الذي أضاعته خلافات الأنظمة العربية السابقة .
كذبة منظومة العمل العربي المشترك
فالوزير العربي ليس مجرد دبلوماسي وإنما هو رجل قانون أيضا ولديه خبرة في مقارعة الحجج الإسرائيلية والأمريكية ، فضلا عن أنه أول أمين عام يأتي من رحم الثورات العربية الشعبية ، وهو ما استقبله شباب التحرير المصريين والعرب الذين وقفوا يحتجون علي ما يجري في بلادهم من قمع بهتافات مدوية من شباب الثورة والمتظاهرين العرب من جنسيات مختلفة خارج مقر الجامعة مهللين ومبتهجين باختيار العربي للمنصب .
المتصور بالتالي أن يسعي الأمين العام الجديد لتغيير هياكل العمل في الجامعة العربية وتنشيط الدماء في العديد من الهيئات واللجان المجمدة ، وأن يقود عملية تغيير ضخمة في الجامعة تحولها الي حلف أو اتحاد عربي حقيقي لا ديكوري ، يسانده في هذا بلا شك التغيير الشعبي في البلاد العربية ، وصعوبة بقاء الأوضاع علي ما هي عليه .
وهذا الأمر تعهد به الدكتور نبيل العربي فور إختياره أمينا عاما للجامعة العربية عندما تعهد "بالعمل على تعزيز العمل العربي المشترك وتحقيق طموحات الشعوب العربية " ، فقد أستاء المواطن العربي واصابه املل من سماع عبارة (منظومة العمل العربي المشترك) في حين أنه لا يري اي منظومة أو تنسيق وخلافات عربية مستمر بسبب اختلاف النظم والزعماء التي تجر معها الشعوب العربية لحالات عداء لا مبرر لها ، ما يتطلب تغييرات شاملة وأن يكون القرار في الجامعة مستقبلا في خدمة الشعوب العربية ومعبرا عن مصالحها لا عن مصالح أو أراء الزعماء والنظم غير المنتخبة شعبيا .
وقد أشار الدكتور العربي لهذا ضمنا عندما قال أن الجامعة العربية ليست فقط مجلس الجامعة العربية أو القمة، بل هي مؤسسة تضم العديدين الذين يؤدون عملهم باقتدار وقال "سوف أعمال على استكمال الخطوات التي قام بها عمرو موسى". وقال إن الأمين العام عليه أن يقترح ويوصي ولكن القرار السياسي بيد القمة ومجلس الوزراء، ولكن علي الأمين العام وضع تصوره دائما .
أبرز التحديات
لهذا يواجه الأمين العام الجديد للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي عددا من التحديات التى سيحدد شكل التعامل معها إلى حد كبير مستقبل هذه المنظمة الإقليمية الأقدم فى العالم والتى سبقت ولادتها إنشاء الأمم المتحدة الكيان الأممى الأكبر والأشهر ، أبرزها أنه يتقلد منصبه فى ظل حالة من عدم الاستقرار السياسى فى عدد من الدول العربية وبالتزامن مع ثورات شعبية غير مسبوقة تطالب بالتغيير والديمقراطية والحرية فى سوريا واليمن وليبيا بعد نجاح ثورتى مصر وتونس فى الإطاحة بنظامى الحكم فى البلدين ، عاتق الأمين العام الجديد النهوض بالجامعة العربية وتفعيل دورها فى معالجة قضايا الأمة وتعزيز العمل العربى المشترك وتفعيل التعاون الإقتصادى، خاصة فى ظل الأزمات المتلاحقة التى تعانى منها الدول العربية والأطماع الغربية التى تسعى للسيطرة على خيراتها.
كما يقع على عاتقه مواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرة للأمن القومى العربى وعدم إلتزامها بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولى واستمرار احتلالها للأراضى العربية فى فلسطين وهضبة الجولان ومزارع شبعا فى جنوب لبنان ، والتعامل مع قضايا مثل استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق ، والضغوط الغربية علي السودان والمخاطر التي يتعرض لها برغم انفصال الجنوب ، فضلا عن قضايا أخري عامة تتعلق بالأمن المائي العربي ، والاكتفاء الذاتي العربي من الغذاء ، فهي قضايا لم تستحق نصيبها من البحث في ظل الأمين العام السابق وغالبا ما كان يجري المرور عليها بصورة روتينية وقرارات متكررة من قمة عربي الي أخري .
ولكن مثلما جاء اختيار الدكتور نبيل العربي وزيرا لخارجية مصر متأخرًاما يزيد عن عشرين عاما، حيث كان عام 1991من المرشحين لتولى هذه الحقيبة خلفا للوزير الأسبق عصمت عبد المجيد، ولكن تولاها عمرو موسى مندوب مصر الدائم السابق في الأمم المتحدة وخلفه العربي في رئاسة بعثة مصر بالأمم المتحدة من عام 1991 وحتى عام 1999 ، جاء إختيار العربي أيضا أمينا عاما متأخرا حوالي 15 عاما ، فهو كان الأجدر بهذا المنصب بحكم جمعه بين الخبرة الدبلوماسية والقانونية الكبيرة ما جعل اسمه يتردد بقوة من قبل شباب ثورة 25 يناير لتولى منصب وزير الخارجية قبل أن يتركها – خلال شهر ونصف من الأن – ليتولي الأمانة العامة .
ايضا مثلما أعلن العربي أولى خطواته عقب توليه منصب وزير الخارجية هي (مراجعة شاملة لسياسة مصر الخارجية بهدف التحقق من أن معاهدات مصر مع الدول الأخرى تحترم من الجانبين على قدم المساواة وتطبق تطبيقا سليما ليس فيه إجحاف بحقوق مصر السيادية) ، يتوقع كثيرون أيضا أن يسعي لمراجعة شاملة لسياسة الجامعة العربية وبلورة موقف عربي موحد أكثر قوة وإحتراما .
ومثلما لم تعجب مواقف وتصريحات العربي الجانب الإسرائيلي سواء أثناء تمثيله لمصر في محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، أو بعد ذلك، خصوصا إدانته ورفضه الشديد للجدار العازل الذي شيدته إسرائيل، ووصفه بأنه "جدار عنصري"، هناك مخاوف اسرائيلية من أن يسعي العربي لجذب الجامعة العربية بإتجاه المزيد من التشدد مع تل ابيب وربما وقف أو سحب مبادرة السلام العربية وتجميدها حني تستجيب تل ابيب للمطالب العربية المقابلة للمبادرة .
فالعربي يرى أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل لم تضر الشعب المصري وحافظت على السلام بين الدولتان لكنها ضرت الشعب الفلسطيني أكثر ، ويؤكد على ضرورة إبقاء اتفاقية السلام باردة بين مصر وإسرائيل لكن في نفس الوقت دون المساس بشكل سلبي بالمصالح الاقتصادية المصرية أو المصالح الفلسطيني ، وهو الذي صرح بأن بنود معاهدة السلام تسمح لمصر بمطالبة إسرائيل بتعويضات عن فترة احتلالها سيناء، ومن حق مصر إعادة النظر في الترتيبات الأمنية لأن إسرائيل استفادت من معاهدة السلام أكثر من مصر، مطالباً بإعادة النظر في القوات متعددة الأطراف في سيناء