تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
يقول فيثاغورث: العشق طمع يتولد في القلب ويتحرك وينمو ثم يتربى وتجتمع إليه مواد من الحرص وكلما قوي زاد صاحبه في الاهتياج واللجاج والتمادي في الطمع والفكر والأماني والحرص على الطلب حتى يؤديه ذلك إلى الغم المقلق ويكون احتراق الدم عند ذلك باستحالة السوداء أو التهاب الصفراء وانقلابها إليها ومن طبع السوداء إفساد الفكر يكون زوال العقل ورجاء ما لا يكون وتمنى ما لا يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غماً وربما نظر إلى معشوقه فمات فرحاً وربما شهق شهقة فتختنق روحه فيبقى أربعاً وعشرين ساعة فيظنون أنه مات فيدفنونه وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه وينضم عليها القلب ولا ينفرج حتى يموت وتراه إذا أذكر من يهواه هرب دمه واستحال لونه.
ويقول أفلاطون: العشق قوة غريزية متولدة من وسواس الطامع وأشباح التخيل نام بإيصال الهيكل الطبيعي محدث للشجاع جنباً وللجبان شجاعة يكسو كل إنسان عكس طباعه حتى يبلغ به المرض النفساني والجنون الشوقي فيؤديانه إلى الداء العضال الذي لا دواء له.
أما ارسطاطاليس فيقول أن العشق عمى العاشق عن عيوب المعشوق.
وقال صلى الله عليه وسلم: حبك الشيء يعمي ويصم
وقال الشاعر:
فلست براء عيب ذي الود كلّه | ولا بعض ما فيه إذا كنت راضياً |
وعين الرضا عن كل عيب كليلة | ولكن عين السخط تبدي المساويا |
وقال شاعر آخر:
وعين السخط تبصر كل عيب | وعين أخي الرضا عن ذاك عميا |
وقال أبو علي بن سينا وغيره من الأطباء: العشق مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا يجلبه المرء إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والتماثيل وقد يكون معه شهوة جماع وقد لا يكون.
وقال بعض الأدباء الظرفاء: العشق عبارة عن طلب ذلك الفعل المخصوص من شخص مخصوص وهذا ظريف.وقال الجنيد: العشق ألفة رحمانية وإلهام شوقي أوجبها كرم الله تعالى على كل ذي روح لتحصل به اللذة العظمى التي لا يقدر على مثلها إلا بتلك الألفة وهي موجودة في الأنفس بقدر مراتبها عند أربابها فما أحد إلا عاشق لأمر يستدل به على قدر طبقته من الخلق ولأجل ذلك كان أشرف المراتب في الدنيا مراتب الذين زهدوا فيها مع كونها معاينة ومالوا إلى الآخر مع كونها مخبراً لهم عنها بصورة اللفظ.
وقال الأصمعي سألت إعرابية عن العشق فقالت: جل الله عن أن يرى وخفى عن أبصار الورى فهو في الصدور كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى.
وقال بعضهم: إن الجنون فنون والعشق فن من فنونه واحتج بقول قيس: قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم | العشق أعظم مما بالمجانين |
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه | وإنما يصرع المجنون في الحين |
ني جننت فهاتوا من جننت به | إن كان ينفي جنوني لا تلوموني |
وقيل لأبي زهير المدايني ما العشق فقال: الجنون والذل وهو داء أهل الظرف.
وقيل لأبي وائل الأوضاحي ما تقول في العشق فقال: إن لم يكن طرفاً من الجنون فهو عصارة من السحر.
وقالت إعرابية: هو تحريك الساكن وتسكين المتحرك.