قصة وعبرة:



عن
سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: قال لقمان لابنه: يا بني : لا ينزلن بك
أمر رضيته أو كرهته، إلا جعلت في الضمير أن ذلك خير لك. قال : أما هذه فلا
أقدر أن أعطيكها دون أن أعلم ما قلت، أنه كما قلت.

قال لقمان: فإن الله قد بعث نبيا هلم حتى نأتيه، فعنده بيان ما قلت لك. قال : اذهب بنا إليه.

فخرج
لقمان على حمار وابنه على حمار.وتزودا بما يلزم لهما، ثم سارا أياما
وليالي، حتى تلقتهما مفازة، فأخذا أهبتهما واستعدا، فسارا ما شاء الله أن
يسيرا، حتى تعالى النهار واشتد الحر ونفذ الماء،فاستبطآ حماريهما،فنزلا
يمشيان، فبينما هم كذلك، إذ نظر لقمان أمامه، فإذا هو بسواد ودخان، فقال في
نفسه: السواد شجر، والدخان عمران.

فبينما هم
كذلك يشهدان، إذ وطئ ابن لقمان على عظم على الطريق، فدخل في باطن قدمه، حتى
ظهر من أعلاها، فخر مغشيا عليه، فحانت من لقمان التفاتة، فإذا هو بابنه
صريع، فوثب إليه فضمه إلى صدره، واستخرج العظم بأسنانه، وشق عمامة كانت
عليه فعصب رجله،ثم نظر إلى وجه ابنه فذرفت عيناه، فانتبه له الغلام،فقال :
يا أبت أنت تبكي وتقول: هذا خير لي؟ فكيف ذلك وأنت تبكي!
وقد نفذ الطعام والشراب، وبقيت أنا وأنت في هذا المكان؟

قال:
أما بكائي يا بني، فوددت أني أفتديك بجميع حظي من الدنيا، ولكني والد ومني
رقة الوالد. وأما قولك: كيف يكون هذا خيرا لي؟ فلعل ما صرف عنك أعظم مما
ابتليت به، ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك. وبينما هو يحاوره نظر
أمامه، فلم يرى السواد والدخان. فقال في نفسه: لم أر شيئا، ثم قال: قد
رأيت، ولكن لعله يكون قد أحدث ربي بما رأيت شيئا، فبينما هو يتفكر في ذلك،
إذ نظر فرأى شخصا على فرس أبلق، عليه ثياب بيض، يمسح الهواء مسحا.

فلم يزل
يرمقه بعينيه حتى كان قريبا منه، فتوارى عنه ثم صاح به فقال: أنت لقمان؟
قال نعم. قال: ما قال لك ابنك هذا السفيه؟ قال: يا عبد الله من أنت؟، ما
أسمع كلامك ولا أرى وجهك، فقال أنا جبريل، لا يراني إلا ملك مقرب، أو نبي
مرسل، لولا ذلك لرأيتني،


فما
قال لك ابنك هذا السفيه؟ قال: أما علمت ذلك؟، قال مالي بشيء من أمركما
علم، إلا أن حفظتكما أتوني، وقد أمرني ربي تعالى بخسف هذه المدينة وما فيها
ومن يليها، فأخبروني أنكما تريدان هذه المدينة، فدعوت ربي أن يحبسكما عني
بما شاء، فحبسكما عني بما ابتلى به ابنك.


ولولا ذلك،
لخسف بكما مع من خسف، ثم مسح جبريل عليه السلام على قدم الغلام فاستوى
قائما، ومسح يده على الذي كان فيه الطعام فامتلأ طعاما، وكذلك على الماء،
ثم حملهما وحماريهما فرحل بهما كما يرحل الطير، فإذا هما في الدار التي
خرجا منها بعد أيام وليالي.


أتمنى أن تعجبكم القصة.

للعلم مصدر القصة: كتاب " مختصر منهاج القاصدين"
تأليف الشيخ " أحمد بن قدامة المقدسي"