لتذهب وثيقة المبادئ الدستورية إلى الجحيم طالما خلاص التيار الإسلامى سن أسنانه وهدد وحذر وأنذر وأربك!
على المجلس العسكرى الآن إذن أن يخفى ذقنه فى صدره ويبتلع التهديد ويرمى الوثيقة فى صندوق المهملات على أى نحو وليحاسب نفسه قبل أى أحد آخر على هذه الورطة التى صنعها لنفسه وهو مش قدها!
وطالما أن القوى المدنية رفضت مادتين فى الوثيقة وبدلا من أن تغيرهما وتعيد صياغة ما تشاء قررت أن تهاجم الوثيقة على بعضها وتسب وتلعن فيها وتتخلى عن مطلبها فى وثيقة صدعت دماغنا باقتراحات لصياغات متعددة لها!
من كان منكم إذن بلا خطيئة فليضرب الوثيقة حجرا!
لكن كل هذا كوم وجمعية صياغة الدستور كوم آخر.
معايير تشكيل الجمعية لا دخل لها بوضع القوات المسلحة فى الدولة ولا علاقة بها بميزانية الجيش ولا أى كلام من هذا الذى يفرق لا يجمع، ويمزق لا يوحد، إذن لا مبرر لدى المجلس العسكرى والقوى السياسية بل والتيار الإسلامى نفسه، لتجاهل وضع هذه المعايير والاتفاق عليها والتوافق حولها إلا إذا كان البعض مرتبكا، والبعض خوافا مهزوزا، والبعض مفتريا!
هناك مشكلة عميقة، حيث لا توجد حتى الآن معايير واضحة ومحددة لاختيار أو انتخاب المئة عضو فى جمعية صياغة الدستور وهم أخطر مئة فى مصر وتاريخها الحديث، وكان المجلس العسكرى على قدر من التخبط والعشوائية أو الاستسلام لمستشارين من الإخوان المسلمين أو من نصحاء مبارك، فضلا عن الاعتداد الشديد بالذات القانونية عند اللواء ممدوح شاهين، فانتهى الإعلان الدستورى إلى ثغرة تكاد تهدد مستقبل هذا البلد لمجرد أن الجنرالات يرفضون الرجوع عن خطأ ارتكبوه مخافة مخاطر لا يتحملونها!
بمعنى أن المجلس العسكرى بدلا من أن يصلح الآن ما أفسده على مستقبل بلده، فيخرج بإعلان دستورى يشمل معايير اختيار جمعية صياغة الدستور بناء على توافق غالبية القوى السياسية، فإنه يحجم عن اتخاذ هذا القرار لأن الإخوان والسلفيين يهددونه بمظاهرات بل واستشهاد وإراقة دماء من أجل حق البرلمان فى تشكيل الجمعية دون معايير ملزمة!
المؤكد أن هناك فرقا كبيرا بين إعلان مبادئ دستورية يلزم بها المجلس العسكرى جمعية صياغة الدستور، وهذا إذا لم تجتمع عليه كل القوى الوطنية بما فيها الإخوان والسلفيون، فلا يمكن بالفعل منطقا وعقلا وديمقراطية، إصداره حيث لا ولاية على من يصوغ الدستور فى ما يصوغه ويكتبه!
لكن تشكيل الجمعية نفسها موضوع آخر، فلا يمكن أن نعتبر وضع معايير ضابطة وضامنة لتشكيل جمعية صياغة الدستور تمثل كل القوى والتيارات والأقباط والمرأة وجميع شرائح المجتمع وطبقاته، أمرا مقيدا أو عائقا أو معوقا أو ضاغطا أو متدخلا أو نفوذا من مجلس عسكرى يمارسه على نواب الشعب وإلا لماذا لم يحتج الإخوان على قانون الأحزاب مثلا؟ أليس صادرا عن المجلس العسكرى؟ ولماذا وافق السلفيون على قانون الانتخابات؟ أليس صادرا عن المجلس العسكرى؟ وإذا كانت الحجة أن الاستفتاء لم يضع فى مواده معايير اختيار جمعية الدستور، فالحاصل أن الاستفتاء كذلك لم يضع تفاصيل القوانين ولا شكل الانتخابات، ثم إنه ليس مطروحا أن ننتزع حق البرلمان فى اختيار أعضاء الجمعية ولكن المطروح هو إلزامه بمعايير لهذا الاختيار!!
هذه المعايير لا بد أن تكون موجودة مسبقا وقبل إجراء الانتخابات أصلا، ثم لا بد أن تكون ملزمة، ثم ضامنة وضابطة كما قلنا لجميع أطياف المجتمع، ويجب أن يكون لأى مواطن حق الطعن على تشكيل هذه الجمعية لو تجاوزت معايير تمثيلها للمجتمع، أما تحديد الأسماء واختيارها وانتخابها فهو موضوع سيكون فى يد مجلس الشعب، لكن بعدما تقلصت صلاحيات المجلس فى الاختيار بالهوى والمزاج والولاء السياسى، ويتم بذلك غل الأغلبية عن الانفراد والإقصاء!
إننا لا نجد المجلس العسكرى أبدا فى لحظة تردد وارتباك إلا أمام مطالب القوى الوطنية المدنية فيفكر ويفكر ويفكر ثم يطالب هذه القوى بالذهاب إلى الإخوان المسلمين للحصول على توقيعها (أو التوسل لموافقتها) حتى يقدم المجلس على أى خطوة فيها رائحة الاستجابة للقوى المدنية، أما عندما تحمر عيون الإخوان والسلفيين ويجلجلون بالمطالب والتهديد والوعيد فنجد المجلس مستجيبا ملبيا!
المشكلة على الناحية الأخرى أن القوى المدنية إضافة إلى ضعفها وتشتتها فيتم سحبها كذلك من رقبتها فى تفريعات وتخريمات واستنزافات عن القضية الأهم وهى ضمان تعبير دستور مصر القادم عن مصر كلها لا عن فريق غالب أو تيار فائز، خصوصا أن كل ما يبديه الفريق الإسلامى وهو المرشح الأكثر ترجيحا للحصول على الأغلبية من تصريحات وبيانات يتصف بالغرور والتعالى والنفور من المختلفين معه وتكفير المخالفين له وتخوين وتهديد منافسيه بالنار وجهنم والتفتيش فى قلوب وضمائر الآخرين واستعراض أهدافهم فى تغيير قوانين مصر وشكل حياتها وعلاقاتها، هذا والتيار لم يفز بعد ولم يلمس مقاعد صناعة القرار، ولم يتمكن من إعلان انتصاره وأغلبيته، فما بالك ما الذى سيفعله حين يجد نفسه غالبا وأغلبية؟!