بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين
...وعلى آله وصحبه وسلم...
أما بعد
فيقول الله - تعالى - فى سورة ( القدر ) : -
( إنَّا أنزلناه فى ليلة القدرِ ، وما أدراكَ ما ليلة القدر
ليلة القدر خيرٌ من ألفِ شهر ، تنزّلُ الملائكة والروحُ فيها
بإذن ربهم من كل أمرٍ ، سلامٌ هى حتى مطلعِ الفجر )
فلقد أخطأ الكثير من الناس ، باعتقادهم أن لليلة القدر
علاماتٌ تحصل ، وتقعُ لبعض العباد فيها ، ونسوا العلم
وذهبوا للخرافات والخزعبلات ، وزعمَ البعضُ أنهم يرون
نوراً من السماء ،أو تفتح لهم فجوة من السماء ...
ولقد قال ( الحافظ بن حجر ) فى ( الفتح ) :
إن الحكمة فى إخفاء ليلة القدر هو حصولُ الاجتهاد فى
التماسها ، بخلاف ما لو عيّنتْ لها ليلة لاقتصر عليها..
وكذلك فلقد نقل عن ( الطبرى ) أنه اختار أن جميع العلامات
غير لازمة فيها ، وأنها لايشترط لحصولها رؤية شيئ أو
سماعه ، وقال : إن فى إخفاء ليلة القدر دليلٌ على كذب من
زعم أنه يظهر فى تلك الليلة للعيون ما لايظهر فى سائر السنة
إذ لو كان ذلك حقاً ، لم يخفَ على كل من قام ليالى السنة
فضلاً عن ليالى رمضان...
وهنا
أكتفى بهذين الرأيين من مئات الآراء للعلماء لضيق
المجال ؛ أملاً من الله - تعالى - أنَّ تتسعُ الرؤية العلمية
لإخوانى المسلمين بعيداً عن الخزعبلات التى نزلتْ بنا
لمستنقع الجهل ، بعد أنْ كنا أعظمَ الأمم علماً وخلقاً...
والخلاصة
أنَّ الكثير من العلماء يطالبون بعدم الانشغال بترقب قرص
الشمس ؛ ليعلم هل لها شعاع أم لا ؟ لأن إخفاءَ موعدها
عند النبى كان أفضل ، والحكمة من ذلك : أنْ يجتهدَ العبد
ويكثر من العمل فى سائر الليالى ، ولاتقتصر عبادتُه لله فى
ليلةٍ واحدةٍ ، بل استنتجَ بعضُ العلماء أنَّ الأفضلَ لمن
عرفها أنْ يكتمَها بدليل أن الله تعالى ، قدّر لنبيه - صلى
الله عليه وسلم - أنه لم يخبرْ بها ، والخير كله فيما
قدر له ، فيستحب اتباعه فى ذلك...
ومن ثمَّ
سنحاولُ - هنا - التركيزَ على بعض النقاط ، والتى أراها
جديرة بالبحث والفهم ...كآلاتى : -
لماذا سميتْ ليلة القدر بذلك ؟
- قيل لشرفها ، وعظيم قدرها عند الله تعالى....
- وقيل يقدّر فيها ما يكون فى تلك السنة ......
- وقيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر .....
- وقيل لأنه نزل فيها كتابٌ ذو قدرٍ بواسطة ملك ذى قدرٍ
على رسولٍ ذى قدرٍ وأمةٍ ذات قدرٍ....
- وقيل لأنَّ للطاعات فيها قدراً عظيماً...
- وقيل لأنَّ من أقامها وأحياها صار ذا قدرٍ....
وأعتقد أنها سميتْ بذلك لجميع هذه المعانى
مجتمعة وغيرها والله أعلم...
ما الذى ورد فى فضلها؟
فى القران الكريم : -
(أ) نزول سورة كاملة ، وهى ( سورة القدر )
وبيان أنَّ الأعمال فيها خيرٌ من الأعمال التى تؤدى
فى ألف شهر سواها....
(ب) قول الله تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ، أمراً من
عندنا انا كنا مرسلين ) الآيتان (3 ، 4 ) من سورة
الدخان...فالله تعالى قدّر كل شيئٍ قبل أن يخلق الخلائق
بخمسين ألف سنة...وعن ربيعة بن كلثوم : قال : كنتُ
عند الحسن فقال له رجل : يا أبا سعيد : ليلة القدر فى كل
رمضان؟ قال الحسن : أى والله ، إنها فى كل رمضان
وإنها الليلة التى يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقضى
الله كل أجل و أمل ورزق الى مثلها..
وفى السنة النبوية الشريفة
( أ ) قول النبى - صلى الله عليه وسلم - : - ( من قام ليلة
القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدمَ من ذنبه )...
( ب ) أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ ويجتهدُ
فى الليالى المرجوة فيها ، مالا يجتهدُ فى غيرها من ليالى
رمضان ولا غيره ، حيث كان النبى - صلى الله عليه وسلم -
كما صح عن عائشة - رضى الله عنها - : ( إذا دخل العشر
شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله )...
فى أى الليالى نلتمسها ؟
- تلتمسُ فى العشر الأواخر من رمضان ، وخصوصاً فى
الوتر منها ، ولقد ورد فى صحيح مسلم : قال النبى - صلى
الله عليه وسلم - : ( التمسوها فى العشر الأواخر ، فإنَّ
ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقى )
- وعن عائشة - رضى الله عنها - كذلك : ( تحروا ليلة القدر
فى العشر الأواخر من رمضان )متفق عليه..
- وذهب على وابن مسعود وابن عباس وعائشة من الصحابة
والشافعى وأهل المدينة ومكة من الأئمة، إلى أن أرجى
لياليها ليلتا ( إحدى وعشرين ، وثلاثة وعشرين ) وقد
رجح ذلك ابن القيم - رحمه الله - وأما ( أبى بن كعب )
رضى الله عنه - فقد حلف أنها ليلة السابع والعشرين حيث
قال : ( بالآية وبالعلامة التى أخبرنا بها رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -أن الشمس تطلع فى صبيحتها لا شعاع لها )..
ما هو أفضل دعاء لليلة القدر ؟
- عن عائشة - رضى الله عنها - أنها قالت للنبى - صلى الله
عليه وسلم - : ( أرأيت إن وفقت ليلة القدر، ما أقول فيها ؟
قال : قولى : اللهمّ إنكَ عفو تحب العفو فاعفُ عنى )
رواه الترمذى...
- وكان من دعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - كما ورد
فى صحيح مسلم : ( أعوذ برضاكَ من سخطكَ ، وعفوك
من عقوبتك ) ...
ما أحب الأعمال لمن وفق فيها ؟
- أداء الصلاة المكتوبة جماعة مع المسلمين....
القيام أى الصلاة لقول النبى - صلى الله عليه وسلم - :
( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
متفق عليه....
وكذلك الدعاء....وقراءة القران الكريم...واجتناب المحرمات...
وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين...والصلاة والسلام على خير عباد
الله أجمعين...وعلى صحبه وآله وأزواجه الطيبين...
وعلى من اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين...
وعنا معهم بعفوه وفضله وكرمه...
آمين يارب العالمين