لم يعد ميدان التحرير رمزاً لوحدة المصريين علي هدف واحد كما كان من قبل، فالميدان الذي جمع المصريين بمختلف طوائفهم ومرجعياتهم ، أصبحت المعارك الطاحنة تقوم للسيطرة عليه وتحول إلي حلبة مصارعة يريد كل فريق أن يثبت قوته تحت سمائه.
ويواجه ميدان التحرير غدا ثلاث دعوات للمليونية كل منها تسير في طريق بعيد عن الآخر فالجماعة الإسلامية والسلفيون دعوا إلي مليونية الاستقرار والحزب الناصري دعا إلي مليونية العدالة الاجتماعية، أما الثوار المعتصمين في الميدان فدعوا إلي مليونية الحفاظ علي الثورة.
والحقيقة ان تلك الدعوات أشبه بمن يوجه ضربات عديدة ضعيفة في وجه القائمين علي السلطة إذ تفتت الدعوات المتنافرة الأهداف وتأتي بنتائج سلبية، فمليونية القوي الإسلامية للتعبير عن رفض وثيقة المبادئ الدستورية التي أعلن عنها المجلس العسكري، والدعوة إلي التمسك بإجراء الانتخابات سريعا، في حين يهدف الناصريون إلي تصحيح مسار الثورة والعودة إلي شعارها الأساسي وهو « عيش حرية عدالة اجتماعية» بمناسبة مرور ذكري 23 يوليو، أما الثوار المعتصمون بالتحرير فيدعون إلي إسقاط حكومة شرف وسرعة محاكمة الفاسدين وقتلة الثوار.
حاله الفوضي التي يعيشها ميدان التحرير الآن لن تفيد مصر ولن تحقق الأهداف التي تبنتها الثورة مادام التناحر السياسي حاضراً وبقوة في الميدان ووسط تلك الدعوات تبقي الثورة معلقه في رقبة بعض القوي السياسية التي تبحث عن مصالحها أولا، ولا تريد للثوره أن ترسو علي أرض مصر إلا بعد أن تحقق المكاسب التي تسعي اليها وليس مهما نجاح الثورة بقدر نجاحهم في تحقيق أهدافهم الخاصة.
فقبل ثورة يناير كانت كل القوي السياسية تسير في أتجاهات مختلفة وعندما وجدوا الأهداف والمطالب وساروا في طريق واحد تحقق لهم ما أرادوا حتي قبل مليونية 8 يوليو الماضية كانت القوي السياسيه مختلفة أيضاً ولكنها توحدت حول مطالب محددة لذلك نجحت المليونية.
وغدا يشهد التحرير أكبر فوضي مليونية ولا أحد يعلم علي وجه التحديد كيف سيكون شكل الميدان في ظل حالة الاختلاف السياسي وما هي الشعارات التي سترفع في الميدان ولكن يبدو المشهد وكأن هناك ثلاثة أصوات تنادي علي ثلاثة أشياء مختلفة وسط صحراء جرداء فلا أحد سيعرف ماذا يريدون ولن يحقق أي شخص فيهم أي هدف وستضيع قواهم في الصحراء.
مظاهر الصراع بين المليونيات بدأت قبل 3 أيام حيث حرصت كل قوة من القوي السياسية المختلفة علي الذهاب الي الميدان لاحتلال أماكن المنصات بغرض تفوق كل مليونية علي الأخري وهو ما ينذر بعواقب وخيمة أذا أستمرت حالة التناحر خلال الأيام القادمة فمصر تبحث عن الاستقرار السياسي وتوحيد كل الجهود لدفع عجله التنمية وتحقيق أهداف الثورة التي اندلعت من أجلها.
جماعه الإخوان من جانبها تراجعت عن المشاركة في مليونية الاستقرار بعد ان أعلنت المشاركة، لكن المشاورات داخل الجماعه والحزب انتهت إلي ضرورة عدم المشاركة في المليونية وهو موقف أدي لدخول الجماعة في صراع خفي مع الجماعه السلفيه التي بذلت جهودا ضخمه لإقناع الاخوان والجماعة الإسلامية بالمشاركة في المظاهرة حتي تتوحد كلمة الإسلاميين ومطالبهم.
المليونية الإسلامية أول من دعا إليها الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي يرأسها محمد يسري ابراهيم الداعية الازهري الذي كون هذا الائتلاف عقب ثوره 25 يناير، ولأن الهيئة الشرعية وحدها لا تمتلك القدرة علي حشد الاسلاميين واقناعهم بنزول الميدان، أسندت هذه المهمة للشيخ عبود الزمر، عضو مجلس شوري الجماعة الاسلامية الذي اقتنع بالفكرة ورأي انه يجب علي الإسلاميين النزول للميدان للمطالبة بالانتخابات أولاً.
ووضع الزمر خطة تتضمن محاولة اقناع جماعة الاخوان والدعوة السلفية بالإسكندرية التي يرأسها الدكتور ياسر برهامي بالنزول لميدان التحرير غدا للرد علي المعتصمين في الميدان منذ 8 يوليو الماضي، إلا أن رفض جماعة الإخوان النزول يوم الجمعة القادم جعل الزمر يرجئ مليونيته إلي الجمعة بعد القادمة أي يوم 29 يوليو القادم مؤكدا ان الاخوان والسلفيين و12 حزبا اسلاميا سيشاركون فيها.
ورفض الزمر ان يعتبر المعتصمين بالميدان حاليا من الخونة او من الذين يدمرون مصر كما يتهمهم البعض، مشيرا إلي أن المجلس العسكري وحكومة الدكتور عصام شرف هما اللذان يستفزان شباب الثورة ويجبرانهم علي الاعتصام في الميدان لعدم تحقيق مطالبهم المشروعة والتباطؤ في تحقيق أهداف الثورة.
واذا كان الزمر قد أكد مشاركة جميع التيارات الاسلامية في مليونية الانتخابات اولا يوم الجمعة بعد القادم الا ان حزب النور السلفي الذي تم تأسيسه عقب الثورة اكد انه ما زال يدرس الفكرة ولم يقرر بعد المشاركة أو عدمها وذلك حسب تصريحات الدكتور محمد يسري المتحدث الإعلامي لحزب النور الذي أشار إلي تلقيهم دعوة للمشاركة في المليونية من الهيئة الشرعية وعبود الزمر مشيرا إلي أن الحزب سيتخذ قراره أول الأسبوع القادم.
وعن أسباب تراجع الإخوان عن المشاركة في المليونية قال الدكتور عصام العريان – نائب رئيس حزب الحرية والعدالة – إنها تتمثل في رغبة الجماعة في تحقيق الاستقرار خلال الفترة المقبلة، فنحن نريد أن ينصرف الجميع من ميدان التحرير إلي العمل والاستعداد إلي الانتخابات القادمة، وميدان التحرير لابد أن يعود إليه الهدوء والاستقرار، وأضاف أن هناك مساعي لتشويه ميدان التحرير وتحويله إلي فوضي وأداة لهدم مكتسبات الثورة، ولابد من إنهاء الاعتصام الآن والعودة إلي العمل.
نفس الكلام أكده الدكتور حمدي حسن، النائب الإخواني السابق، قائلاً إن كثرة الوقفات الاحتجاجية تفقدها معناها الحقيقي ولابد من إنهاء حاله الاعتصام الآن ومنح الفرصة لحكومة الدكتور شرف لكي تمارس عملها فهي في النهاية حكومة تصريف أعمال ولكن الآن دولاب العمل معطل ومصالح المواطنين أيضا معطلة ولابد من عودة الحياة الي مصر.
ولكن المهندس عاصم عبد الماجد، عضو مجلس الشوري الجماعة الإسلامية، أن الرسالة المراد توصيلها في مليونية الجمعة القادمة أنه ليس من حق الأقلية أن تفرض رأيها علي الأغلبية لذلك قررنا تنظيم المليونية لمطالبة المجلس العسكري بجدول زمني لإنهاء الفترة الانتقالية وسرعة إجراء الانتخابات في موعدها.
أما أحمد حسن – القيادي بالحزب الناصري – قال إن فكره دعوة الحزب الي مليونية لتطبيق فكرة العدل الاجتماعي التي قامت من أجلها ثورة يناير فالشعب ثائر لآنه لا يستطيع أن يحصل علي رغيف العيش الآن وللأسف هناك شعارات تردد من بعض السياسيين الذين حاولوا الركوب علي الثوره حتي فرغوها من أهدافها وننادي بضرورة تصحيح المسار وعودة الثورة الي أهدافها وطرد الأفكار الهدامة من ميدان التحرير.
اما جورج أسحق فعلق علي حرب المليونات في ميدان التحرير قائلا أنه دليل علي الارتباك ولم يعد هناك وحدة في الميدان فهناك حالة من الارتباك في مصر كلها.