يبدو أن النكتة السوداء المتداولة حاليا بين المصريين في طريقها للتحقق.. «المحكمة تقضي ببراءة مبارك وحبس الشعب 4 أيام علي ذمة التحقيق»..
ويواجه الشعب المصري وفقا لهذا السيناريو خمسة تهم كافية لأن يقضي طوال عمره في السجن مع إعدام عدد كبير منهم بشكل جماعي..الخروج علي النظام، وتنظيم ثورة ضد الشرعية.. والبلاغ الكاذب واتهام الشرفاء في الحكم بالفساد..وإهانه رئيس الجمهورية وزوجته وأولاده ورفع شعارات تسيء إليه أمام العالم.. وخيانة الوطن والسعي إلي هدم الاستقرار وتشويه سمعه مصر.. وأخيرا الشروع في قتل الرئيس السابق يوم 10 فبراير الماضي ووزير الداخلية وضباط الشرطة أثناء تأدية واجبات وظيفتهم.
ليس هذا نوعا من السخرية.. فهذا ما يمكن أن يصل إليه الحال في مصر إذا ما استمر مسلسل «تبرئة الفاسدين» الذي يعرض حاليا في ساحات المحاكم، وبدأت حلقاته بحصول 7 من المسئولين ورجال الأعمال علي أحكام دامغة بالبراءة في قضايا فساد سبق الحكم عليهم فيها بالسجن، بناء علي ما اطمأن إليه جهاز الكسب غير المشروع والنيابة العامة من ثبوت الاتهامات ضدهم وهم: انس الفقي وأحمد المغربي ويوسف بطرس غالي ومحمد عهدي فضلي وياسين منصور ووحيد متولي وأسامة الشيخ.
المتابع لسير التحقيقات لابد ان يقف عند التناقض الواضح بين ما يقوله جهاز الكسب غير المشروع والأحكام القضائية فإما أن يكون الجهاز تراخي في تقديم مستندات كافية تدل علي فساد المتهمين مما جلب البراءة وإما ان هناك شيئا خفيا في طبيعة هذه المحاكمات.
في آخر قضية والتي أمرت فيها محكمه الجنايات بإخلاء سبيل أسامة الشيخ في قضايا الفساد والتربح وأمرت بتشكيل لجنة لمراجعة شروط التعاقد مع المسلسلات لبيان مدي استفاده اتحاد الإذاعة والتليفزيون من تلك العقود.. في تناقض حاد مع ما ثبت من اتهامات في نيابة الأموال العامة بإهدار 70 مليون جنيه في خطة تطوير البرامج بالتليفزيون وقيامه بشراء مسلسلات بمبالغ مالية ضخمة رغم أنه شريك باسهم في إنتاجها، فضلا عن قيامه بمنح مذيعين وفنانين ولاعبي كره أجورهم مرتين من التليفزيون دون وجه حق وبالطبع كان لدي النيابة المستندات الدالة علي ذلك وسلمتها الي محكمة الجنايات التي أصدرت حكما بالبراءة.
ولذلك لم يكن غريبا ان يطعن النائب العام علي حكم البراءة الخاص بأسامة الشيخ وبقية المسئولين وإن يقول في بيان صحفي: إن الطعن جاء علي أساس عدم اتفاق أسباب البراءة مع أدلة الاتهام التي توفرت نتيجة التحقيقات..إذن لماذا البراءة!
نفس الأمر ينطبق علي انس الفقي وزير الإعلام الأسبق الذي حصل علي حكم بالبراءة من التهم المنسوبة إليه بإهدار المال العام رغم أن نيابة الأموال العامة اتهمته بالانفاق علي الدعاية في الانتخابات الرئاسية ومجلس الشعب من أموال اتحاد الإذاعة والتليفزيون حيث تم توجيه مبلغ 10 ملايين جنيه لصالح دعاية الرئيس المخلوع مبارك ونواب الحزب الوطني وواجهت النيابة الفقي بأنه إهدر مبلغ 2.5 مليون جنيه من أموال اتحاد الاذاعة والتليفزيون اشتري بها هدايا لمهرجان القراءة للجميع رغم أن المهرجان لم يقام وانه استولي عليها لنفسه كما انه قام باسناد الدعاية لمهرجان القراءة للجميع لأحدي الشركات بالأمر المباشر وبمبلغ يزيد علي سعر السوق كما انه حصل علي مكافأت من شركة صوت القاهرة بالمخالفة للقانون وقالت ايضا انه منح أجوراً عالية وباهظة لعدد من المذيعين والفنانات ولاعبي كرة القدم السابقين وقام بالانفاق علي تطوير البرامج والقنوات التليفزيونية بشكل مبالغ فيه علي نحو أهدر أموال اتحاد الإذاعة والتلفزيون وسمح باحتكار شركة صوت القاهرة لإعلانات التليفزيون مقابل 350 مليون جنيه رغم انه من الممكن ان يقوم بعمل مزايدة يربح من ورائها مليار جنيه علي الأقل.
الفقي قام خلال التحقيقات بإرسال أحد الأشخاص إلي مكان معين وأحضر الهدايا التي حصل عليها وسلمها الي النيابة التي قامت بتحريزها ولذلك لم يكن مقبولا صدور حكم ببراءة لمجرد احضاره الهدايا التي حصل عليها ولكن المسئولين أصروا علي عرض مسلسل براءة رموز النظام السابق مما فجر غضب الرأي العام من جديد.
حكم براءة يوسف بطرس غالي وزير المالية الهارب من تهمة دعم وزارة الإعلام بمبلغ قدره 36 مليون جنيه لتمويل الدعاية الانتخابية للحزب الوطني رفعت درجة الاستفزاز لدي الشارع المصري.
الغريب أن نفس المستشار الذي حكم عليه بالبراءة وهو محمد صبحي الصادق رئيس محكمة جنايات شمال القاهره حكم علي الفقي في قضيه اهدار مال عام اخري بالحبس 30 عاما في واقعة اتهامه باستغلال نفوذ وظيفته وتسخير العاملين بوزارة المالية وأجهزة الحاسب الآلي والطابعات الموجودة بالوزارة لدعايته الانتخابية ونقلهم إلي مقره الانتخابي بشبرا مما أضر الدولة بمبالغ مالية قدرها 35 مليونا و800 ألف جنيه انفقت علي دعايته.
نفس الواقعتين التي حكم فيهما الصادق علي غالي واحدة بالبراءة والأخري بالحبس تخص إهدار مال عام، الأولي علي دعاية مبارك والأخري علي دعايته الانتخابية والاثنتان أهدر فيهما المال العام ولكن الحكمين متناقضان نهائيا وهو ما يفسر إسراع المستشار عبد المجيد محمود النائب العام بنقض الحكم فور إعلانه.
نفس المستشار حكم ببراءة رجل الأعمال ياسين منصور رئيس مجلس إدارة شركة بالم هيلز والمهندس أحمد المغربي وزير الإسكان السابق والمهندس محمد عهدي فضلي رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم السابق ورجل الأعمال الإماراتي وحيد متولي من تهمة الاستيلاء وتسهيل الاستيلاء علي المال العام في قضية أرض أخبار اليوم رغم ان المستشار محمد النجار المحامي العام لنيابات أمن الدولة العليا وممثل النيابة في القضية وصف هؤلاء المتهمين بأنهم عصابة الشيطان وجند الله في الأرض أضاعوا علي الدولة 272 مليون جنيه.
واتهمت النيابة تلك العصابة بتهمتي التربح والإضرار العمدي بالمال العام وإبرام المغربي بصفته وزيراً للإسكان عقد بيع لقطعة أرض مساحتها 113 فداناً مملوكة للدولة بمدينة 6 أكتوبر إلي شركة أخبار اليوم للاستثمار بالمخالفة للقواعد المقررة قانوناً التي تحظر التصرف في الأراضي المخصصة من وزارة الإسكان قبل سداد ثمنها أو إقامة المشروع المحدد في التخصيص ومكن بذلك الشركة المشترية من تغطية تصرفها ببيع هذه القطعة - الذي سبق هذا التعاقد - إلي شركة أخري استحوذت عليها وهي شركة بالم هيلز للتعمير التي يساهم فيها المغربي مما حقق له وللشركة المشترية ربحاً يفوق مبلغ 159 مليون جنيه وأضر بأموال الدولة بمبلغ يزيد علي 272 مليون جنيه يمثل الفارق بين سعر الأرض وقت استحقاق سحبها وسعر البيع ولكن المستشار محمد الصادق اصدر حكمه بالبراءة رغم ثبوت الاتهام علي المسئولين الاربعة.
وحسب تأكيدات الدكتور عبد الله الأشعل – المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية – فإن الوضع سينتهي الي تبرئة مبارك نفسه وكل افراد نظامه، قائلا: الاحكام التي صدرت بالبراءة مؤسفة وتنذر بأن المحاكمات القادمة صورية وسيخرج منها أعمدة فساد مبارك أبطالا فما معني ان يتم تبرئة وزير المالية والإعلام والإسكان السابقين معني ذلك ان التهم لم تكن خطيرة وان هناك لعبا كبيرا في الخفاء لا يعرفه أحد الي الآن فـأنس الفقي كان فاسدا ومضللا ويحتمي بسوزان مبارك وأيضا يوسف بطرس غالي الذي وضعه مبارك ليذل الشعب المصري وانفق وحده مليون جنيه لعلاج عينيه فقط.
وأضاف ان الدولة الآن مفككة ويجب ان تكون المحاكمات القادمة علنية وامام الشعب لنحاسب المخطئ وحتي يطمئن الناس إلي ان المحاكمات ستسير في الطريق الصحيح بدلا من الانحراف الذي تسير فيه الآن فلا أحد يشعر بالشعب المصري المسكين الآن الذي يريد القصاص من الفاسدين
وقال الأستاذ منتصر الزيات – محامي الجماعات الإسلامية – ان الأحكام التي صدرت لا نقبلها علي الإطلاق ونرفضها ولكن علينا اللجوء الي الطريقة المثلي وهي نقض الأحكام فلا يجب ان نشهر بالقضاء وأعتقد ان قرار النائب العام بالطعن علي الأحكام هو القرار الصائب، فهو بذلك يرسي مبدأ العدالة واذا كان هناك خطأ من المحكمة سنعرف وسيحاكم المسئول ولكن لابد ان نحترم العدالة