كأن التهم التي تلاحقه لا تكفيه فراح يورط نفسه في تهم جديد!! حسني مبارك الذي تطارده اتهامات بالقتل، والشروع في القتل والتربح، واستغلال النفوذ وإهدار المال العام، وتبديد ثروة مصر، وسوء استغلال السلطة أضاف بنفسه لقائمة اتهاماته تهمتين جديدتين عقوبتهما السجن لفترات تتراوح بين ٣ سنوات و٥١ عاما وهما البلاغ الكاذب وشهادة الزور.
وأغلب الظن أن مبارك ورط نفسه في الجريمتين دون أن يدري والسر في ذلك يكمن في طبيعته الشحصية وتركيبته النفسية!
فعلي مدي 30 عاما تولي فيها مبارك حكم مصر كان يقول ما لايفعل ويتعهد ثم لا يفي بوعده، ولم يكن أحد يسأله: لماذا لا تفعل ما تقول؟ ويبدو أنه لم يستوعب حتي الآن حجم التغير الذي طرأ علي مصر بعد ٥٢ يناير فظل معتقدا أن الحال لم تتغير ولهذا أطلق لنفسه العنان وقال كلاما عن ثروته وثروة أبنائه متصورا أن الجميع سيقولون له سمعا وطاعة، كما كان يفعل منافقوه حينما كان جالسا علي العرش!
مبارك قال في إقرار الذمة المالية الذي قدمه في مارس الماضي إنه لا يمتلك أي حسابات أو أرصدة خارج مصر وأنه يمتلك حسابا وحيدا في بنك مصري واحد فقط.
وأمام كل جهات التحقيق التي خضع لها قال مبارك إنه وزوجته وابنيه علاء وجمال لا يمتلكون أي عقارات أو أصول عقارية في الخارج وقال إنه وجميع أفراد أسرته لم يتربحوا من كونه رئيسا للدولة ولم يحققوا إثراء غير مشروع وأضاف في البيان الذي أذاعه بصوته في قناة »العربية« ـ قبل أسابيع ـ إن عناصر ومصادر أرصدة وممتلكات أبنائي علاء وجمال بعيدة عن شبهة استغلال النفوذ أو التربح بصورة غير مشروعة أو غير قانونية.
هكذا قال مبارك وهكذا اعترف هو نفسه ورغم كل ذلك كشفت الأيام أن مبارك لم يكن يقول الحقيقة عن ثروته وعن ثروة أسرته.
فزوجته سوزان التي لم يكن لها أي مصادر دخل خاص تنازلت عن ٤٢ مليون جنيه لجهاز الكسب غير المشروع في مقابل عدم صدور قرار بحبسها علي ذمة التحقيقات والمنطق يقول إن سوزان لم تكن لتمتلك تلك الثروة إلا بالتربح أو استغلال نفوذها لكونها زوجة رئيس الدولة فكيف إذن قال مبارك إن أسرته لم تتربح ولم تستغل نفوذها لتحقيق ثروة محرمة!
وفوق هذا اعترف عدد من المتهمين في قضايا الفساد الأخيرة أن سوزان مبارك كانت تجبر الشركات العامة وعلي رأسها شركات البترول علي التبرع بمبالغ ضخمة للجمعيات التي كانت ترأسها وبعدها تفعل بهذه التبرعات ما تشاء وتنفقه حيث تشاء فماذا يكون ذلك إذا لم يكن استغلال نفوذ؟!
وأيضا وضع سوزان مبارك يدها علي التبرعات التي قدمتها دول عربية وأجنبية لمكتبة الاسكندرية وإنفاق تلك التبرعات في أمور ليس لها علاقة بالمكتبة ألا يعد ذلك استغلالا فاضحا للنفوذ وللتربح من المال العام؟!
والأخطر أن مبارك قال بملء فمه إنه لا يمتلك أي عقارات أوأصول عقارية أو حسابات بنكية خارج مصر وبعد أن قال ما قال صدرت تقارير سويسرية تقول بصريح العبارة إن البنوك السويسرية تحوي 207 مليارات دولار تخص شخصيات عربية منهم حسني مبارك!
ثم كشفت وثائق حصلت عليها لجنة استرداد أموال مصر في الخارج أن مبارك حوّل 620 مليون دولار من بنك انجليزي الي بنك سويسري في فبراير الماضي!
مبارك قال أيضا في بيانه لقناة »العربية« إن كل ما قيل عن تملكه وأسرته لأصول عقارية خارج مصر هو ادعاءات كاذبة ومزعومة ولكن شهادة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حول هذه القضية بالتحديد تنفي كلام مبارك جملة وتفصيلا.
د. مني مكرم عبيد أستاذة الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية وإحدي الذين قاموا بعدة جولات أمريكية وأوروبية لاسترداد أموال مصر المنهوبة أكدت في تصريحات خاصة لـ»الوفد« إن حديثا دار بينها وبين هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية حول ثروة آل مبارك والدور الذي يمكن أن تقوم به واشنطن لإعادة هذه الثروات لمصر وقالت د. مني مكرم عبيد أبدت هيلاري كلينتون تفهمها الكامل وتأييدها المطلق لحق مصر في استعادة الأموال التي استولي عليها آل مبارك ولكنها أكدت في الوقت ذاته أن مبارك وأسرته وضعوا الجزد الأكبر من أموالهم السائلة في بنوك أوروبا واحتفظوا فقط بعدة عقارات يمتلكونها داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
كلام وزيرة الخارجية الأمريكية ليس له إلا معني واحد وهو ان مبارك لم يقل الحقيقة عندما قال إنه لا يملك أي أرصدة بنكية أو عقارات خارج مصر تماما مثلما كذب حين قال إن ثروات أبنائه تكونت بشكل طبيعي ولا تحمل شبهة استغلال النفوذ.
والمفاجأة أن القضاء المصري لا يعتبر كذب مبارك جريمة فحسب تأكيدات المستشار زكريا عبدالعزيز الرئيس بمحكمة الاستئناف فإن أصول القضاء المصري وأصول الأحكام القضائية استقرت علي إنكار المتهم للتهم الموجهة إليه وتعتبر الكذب والانكار دربا من دروب الدفاع ولهذا فإن النيابة تعتبر إنكار المتهم أمرا طبيعيا ولهذا تواجهه بالأدلة والقرائن أما لو اعترف المتهم بالجريمة مباشرة فإنها تمحص في اعترافه وتناقشه في كل صغيرة وكبيرة خشية أن يكون اعترافه جاء تحت الإكراه.
وفي مقابل هذه السماحة التي يتعامل بها القضاء مع المتهمين عموما يؤكد الدكتور حسن السباعي ـ الفقيه في القانون الجنائي ـ أن الأمر يجب أن يكون مختلفا مع حسني مبارك ويقول: مبارك لم يكن شخصا عاديا ولكنه كان رئيسا لمصر لمدة ٠٣ عاما وهذا الوضع يحتم عليه أن يكون صادقا ومدققا وحريصا علي أن يضع كل كلمة في موضعها وبالتالي فإذا كذب أو قال كلاما غير صحيح، فيجب أن يعاقب علي كذبه.
ويضيف: عندما تكون الجريمة هي سرقة محفظة من أتوبيس أوسرقة دجاجة من مزرعة دواجن فإن تعامل النيابة مع المتهم في تلك الجرائم يجب أن يكون مختلفا تماما عندما يكون المتهم هو رجل ظل ٠٣ عاما رئيسا لدولة، وتكون جريمته هي التربح واستغلال النفوذ وتبديد ثروات البلاد وقتل المواطنين.
ويواصل الدكتور حسن السباعي: مبارك لم يكذب فقط علي النيابة التي تباشر معه التحقيق ولكنه كذب أيضاً علي جهاز الكسب غير المشروع، فادعي أنه لا يملك أرصدة ولا عقارات في خارج مصر كما زعم أن ابناءه أيضاً لم يتربحوا ولم يستغلوا نفوذهم وهذا كله علي خلاف الحقيقة وبالتالي فإن ما قاله يمثل جناية تزوير في محررات رسمية، حيث إن أوراق التحقيق تعتبر محررات رسمية وهذه الجريمة تتراوح عقوبتها ما بين السجن لمدة تتراوح ما بين 5 و15 سنة.
وأضاف الدكتور السباعي عندما يكذب مبارك وينفي أن يكون قد استغل منصبه وتربح منه هو وأولاده فإنه لا يدافع عن نفسه وإنما هو في الحقيقة يريد أن يستمر في أكل أموال المصريين.
وفي ذات الاتجاه يؤكد الفقيه الدستوري إبراهيم درويش أن مبارك حينما قدم معلومات كاذبة لجهات التحقيق فإنه ارتكب بذلك جريمتين وليست جريمة واحدة.. ويقول: المادة 305 من القانون تقول إن كل من أخطر بسوء نية الجهات الرسمية بخبر أو معلومات غير صادقة فإن ما ارتكبه يشكل جريمة البلاغ الكاذب.. أما قوله علي خلاف الحقيقة بأن أولاده لم يستغلوا النفوذ ولم يتربحوا ولا يمتلكون عقارات أو أرصدة بالخارج، فإنه بذلك قد سقط في جريمة الشهادة الزور والجريمتان جنايتان عقوبتهما السجن لمدة تتراوح ما بين 3 سنوات و15 عاماً.