مشهد لم يكن يتخيله أحد، شخصيات كانت تدير الدولة من غربها إلى شرقها، اعتقدت أن مليارات الأموال التى جمعوها ستحميهم وتعصمهم من المساءلة، ظنوا أنهم بعيدون عن أيدى العدالة، إلا أن المشهد الذى وقع أمس الأول، جرى كالتالى: «العادلى وعز والمغربى وجرانة» يخرجون الواحد تلو الآخر من نيابتى الأموال العامة وأمن الدولة فى التجمع الخامس، والقيود الحديدية فى أيديهم، كل واحد مقيد فى يد شرطى، وكل منهم يصعد إلى سيارة شرطة.
السيارات الأربع تتجه إلى سجن مزرعة طرة فى حراسة سيارات الشرطة، وأمام السجن كان عشرات من الضباط والمجندين المكلفين بالحراسة فى انتظارهم، وقفوا ينتظرون وصول السيارات، وبعد أن وصلت وقفوا يتفحصون وجوهاً ربما لم يروها إلا فى التليفزيون فقط، سيارة «جرانة» كانت الأولى، نزل منها وهو مقيد، يرتدى بدلته الفاخرة، يتوجه إلى باب السجن لم ينظر يميناً أو يساراً، بعدها جاءت سيارة أحمد عز، للمرة الأولى، ربما فى حياته، توجه إلى باب السجن، وإحدى يديه مقيدة فى يد شرطى، والأخرى تحمل حقيبة ملابسه التى أحضرها له أحد مساعديه أثناء التحقيق معه فى النيابة قبل أن يصدر قرار الحبس، سار وسط أفراد الشرطة،
نظر يميناً ويساراً، ضباط ومجندون ينظرون إليه فى حالة من الدهشة، يسألون أنفسهم: «ده أحمد عز؟»، بعدهما جاء «المغربى» لم يكن مقيداً عندما تقدم إلى باب السجن، ربما كان فرد الشرطة قد فك قيوده أثناء نزوله، مرت أكثر من ربع ساعة، كان الجميع يعرف أن الشخصية الأهم بالنسبة للضباط وأفراد الشرطة وكل من بداخل السجن فى الطريق إليهم، شخص ربما كان البعض يخشى أن يلقاه وجهاً لوجه، شخص كانت السجون تفتح له بالموسيقى والطبول، شخص كان سلام الشرطة يضرب له أينما ذهب، إنه «حبيب العادلى»، وزير الداخلية السابق، حضر بعد دقائق فى سيارة مشابهة للتى أحضرت الآخرين،
كان مقيداً فى يد فرد شرطة، ولا أحد يستطيع أن يخمن بماذا كان يشعر هذا الشرطى، الوزير الذى كان يسمع عنه فقط مقيد فى يده، يسير إلى جواره، فك الشرطى القيود من يده دون أن ينظر إلى وجهه، لم يكن خوف الشرطى وحده من النظر إليه، بل كان الجميع من الضباط أيضاً، ربما ينظرون إليه خلسة على استحياء، وعندما ينظر هو إليهم يلتفتون عنه، شعور داخلى مكتوم لدى الضباط بالفرح، لبدء تطهير وزارتهم من الفساد، دخلت الشخصيات الأربع إلى السجن.. «عز وجرانة والمغربى»، كانت هى المرة الأولى لهم،
بينما «العادلى» ربما دخله مئات المرات، زائراً ومباشراً لا محبوساً، أما عما قاله الضباط الذين حضروا تلك المشاهد عن إجراءات الحبس والحصول على المتعلقات الشخصية لهم فى غرفة الأمانات، فأسردها كاملة وأترك لكم تصديقها من عدمه، «أخذوا منهم متعلقاتهم الشخصية مثل حافظة النقود والساعات والموبايل، إلا أن بعضهم كان معه موبايل آخر دخل به إلى مكان الحجز».
داخل السجن تجمع مئات المساجين بالقرب من البوابة، بمجرد أن عرفوا خبر وصول الشخصيات التى كانت توصف بـ«الرفيعة» قبل شهر تقريباً، وخشى المسؤولون بالسجن وقوع مواجهات بين المساجين والقادمين الجدد، فقرروا إعادة المساجين إلى عنابرهم، فيما انتظرت شخصيات عامة من المساجين مثل «هشام طلعت مصطفى»، فى الممر الذى مر منه الأربعة، وبمجرد أن رأى أحمد عز، ظهرت ابتسامة عريضة على وجهه، ووقف فارداً ذراعيه،
وكأنه يقول له «بالأحضان»، إلا أن عز مر من أمامه دون أن ينطق بكلمة، وأخذ «هشام طلعت» يردد بعض الكلمات لـ«عز»، هذا هو المشهد، كما رواه الضابط «عبدالرؤوف. ج»، وانتهى المشهد، أو انتهى كلام الضابط عما شاهده فى السجن، فى ليلة لن ينساها التاريخ.