لا يوجد أى مبرر لبقاء المجلس العسكرى بعد يناير، ففراق بمعروف أو تسريح بإحسان... أحسن!
ما مبرر الجنرالات فى بقاء المجلس العسكرى لإدارة شؤون البلاد بعد انتخابات مجلس الشعب؟ هل لأنهم يصدقون مكالمات المشاهدين فى التليفزيون الذى يديره جهاز الشؤون المعنوية؟ إن هذا بالضبط ما كان يتصوره حسنى مبارك خلال أسبوعَى الثورة بينما كان الجنرالات أنفسهم يسخرون منه فى اجتماعاتهم ومن إنه مش حاسس بالدنيا من حوله.
هل لاعتقاد المجلس العسكرى أنه لو ترك إدارة البلاد ستصبح فوضى؟
يا نهار أسود! إنه بالفعل نفس ما كان يتخيله مبارك!
هل لأن المجلس العسكرى يرى أن هناك مؤامرة عليه وعلى مصر؟
يا نهار مدوحس، إنه بالفعل نفس ما كان يردده صادقا ومخلصا حسنى مبارك!
هل يريد المجلس العسكرى أن يضمن صياغة دستور مدنى للدولة؟
يا سلام! وكنت فين سيادتك من الأول؟ ولماذا لم تضمنه خلال عشرة أشهر؟ وإذا كان حد شرّب سعادتك خطة كتابة البرلمان للدستور فنحن غير مسؤولين عما شربته ولا من شرّبك، ثم من قال لسيادتك تشرب قبل ما تعرف الكُبّاية فيها إيه؟ أليست هذه خطتك للمرحلة الانتقالية؟ خلاص، اتركنا نتصافى مع بعض وسنصوغ دستورنا بعيدا عنك، خصوصا أنك لن تؤثر فيه لو استمر وجودك بيننا، فلا أنت تستطيع فرض معايير للجنة الدستور ولا تملك أصلا حق التدخل فى صياغته، إلا إذا كنت تريد شيئا لك فى الدستور، فمن عيننا، اتفق مع الإخوان وهم تحت أمرك فى أى طلب!
هل يريد المجلس العسكرى البقاء حتى يونيو كى لا يكون شكله وحش وأنه خرج بالضغط؟
الخوف أن شكل المجلس العسكرى ربما يكون أوحش بكتير لو استمر مع هذا الفشل مضافا إليه الصدام، ليس فقط مع قوى الثورة وشبابها، بل مع التيار الإسلامى نفسه الذى لن يتحمل كثيرا تدخل الجنرالات!
ليس لدى جنرالات المجلس العسكرى أى شىء حقيقى يقدمونه لمصر الآن؟
ربما يقدمون للجيش، فهم أدرى بشؤون عسكريتهم لكنهم لا يقدرون على تقديم أى إنجاز من أى نوع لمصر المستقبل، فهم عقول الماضى وأسرى النظام الذى نشؤوا فيه وعملوا من خلاله، ويكفى لتأمل تصريحاتهم المتوترة والمرتبكة والعشوائية والمتخبطة والكَذُوب أحيانا كثيرة لتعرف أنها منفصلة عن الواقع تماما، إنهم يعيشون فى دنياهم الخاصة المغلقة على طريقة تفكيرهم ونمط حياتهم، ولا يخرجون عن الصندوق الذى عاشوا داخله وفيه مع مبارك، يعتبرون البقاء فى إدارة البلد مهمة واجبة رغم فشلهم، ثم لا يعترفون بالفشل ولا يعتذرون عن الخطأ ولا يدركون أنهم يفقدون الشعبية والمصداقية ثم لا يستوعبون أنهم حطموا الإجماع الذى كان موجودا فى ثورة يناير على محبة الجيش ثم لا يجدون مشكلة فى تشويه صورة الجيش فى العالم الخارجى وبين أبناء الشعب، ثم هم يصدقون العباسية وجمهورها المريض بحب الديكتاتور ويعتقدون أن الشعب معهم بينما هذا الشعب انتخب سبعون فى المئة منه الإسلاميين مما يعنى جملة واحدة للمجلس العسكرى هى «مع السلامة أنت ونظامك وحكمك العسكرى الممتد منذ ستين عاما»، فقد فلقتنا تصريحات الجنرالات التى ثبت أنها هواء منفوخ والتى يعلنون فيها حرص المجلس العسكرى على الدولة المدنية، فرد عليهم الشعب بالتصويت للأحزاب الدينية (التى سمحت بإنشائها العبقرية الفذة للمجلس العسكرى!)، فكيف يفهم الجنرالات أن الشعب يؤيدهم؟ بأمارة إيه؟!
الدرس القاسى الذى نتعلمه من انحدار مستوى كفاءة المجلس العسكرى فى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية هو أننا لا يمكن أن نعتمد على أحد من دولة مبارك أبدا، على مستوى المجلس العسكرى ثم على مستوى الوزراء ثم على مستوى السياسيين من هذه الدولة، نحن إزاء فشل مُقيم سَقيم، أولاً هم عواجيز بالمعنى الحرفى وينتمون إلى جيل لم يفلح فى أى شىء إلا «تمام يا أفندم»، و«عُلم وينفَّذ»، تم تربيتهم كموظفين من عهد جمال عبد الناصر حتى مبارك، لكنهم بلا خيال وبلا طاقة وبلا علاقة بالعصر الحديث. هؤلاء لا بد أن يعتزلوا احتراما لأعمارهم، ثم إنهم كذلك عاشوا فى مرحلة من الاستبداد والفساد والمشى بالتعليمات وسماع الكلام والانصياع للحاكم وتمجيده ولم يتمردوا عليه يوما ولم ينزعجوا من سياسته ولا إدارته ولا فساده ولم يقاوموا ولم يواجهوا وارتضوا أن يعيشوا فى كَنَفه ويمشوا تحت كتفه.. كتفًا سلاح!